نابلس 2-12-2025 وفا– زهران معالي
مذ كان في الخامسة من عمره، تشكّلت حياة المواطن جواد يوسف غزال بين شجر الزيتون، وعلى تراب الأرض التي ورثها عن أبيه وجده في بلدة سبسطية شمال غرب نابلس، وأضاف إليها من عرق جبينه وتعب السنين.
لكن اليوم وهو في السابعة والستين من عمره، يجد غزال نفسه مهددًا بضياع كل ما بناه خلال عمره، بعدما أصدرت سلطات الاحتلال قرارا عسكريا يقضي بالاستيلاء على نحو 1,800 دونم من أراضي سبسطية وبرقة، التي تشمل الموقع الأثري نفسه، إضافة إلى مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المحيطة به، والتي تحتوي على آلاف أشجار الزيتون.
ويُعد هذا القرار أوسع عملية استيلاء منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، متجاوزًا عملية الاستيلاء التي جرت في موقع "سوسيا" جنوب الخليل عام 1985، التي بلغت آنذاك 286 دونمًا.
ويملك غزال قرابة مئة دونم من ضمن الأراضي المستولى عليها، موزعة على خمس عشرة قطعة أرض، تمتد من شارع جنين–نابلس وصولًا إلى مشارف المنطقة الأثرية في البلدة، مزروعة بالزيتون والجرنق والمشمش، إضافة إلى القمح والشعير والبامية والفقوس، باتت اليوم رهن قرار الاستيلاء.
وعلى مدار سنوات طويلة، لم تكن الأرض مجرد ملكية، بل كانت مصدر الحياة له ولعائلته، ولثمانية عمّال يعملون معه طوال العام، ثماني عائلات كانت تعيش من خيرات هذه الأرض، إضافة إلى عمال المواسم، واليوم، بعد قرار الاستيلاء، توقفت مصادر رزقهم جميعًا دفعة واحدة، وفق قوله.
كانت الأرض تنتج سنويًا ما بين 8 أطنان إلى 10 من زيت الزيتون، بدخل يقارب 300 ألف شيقل، وهو المصدر الرئيسي لإعالة أبنائه، واليوم يشعر غزال أن كل ذلك مهدد بالضياع في لحظة.
ويقول غزال بصوت مثقل بالقهر لـ"وفا"، إن المنطقة تعاني منذ سنوات مضايقات جيش الاحتلال والمستعمرين، وتصاعدت حدتها خلال العامين الماضيين، متابعا: "كانوا يضايقوننا يوميًا… الجنود والمستعمرون يجبروننا على ترك أرضنا، فلم نتمكن من قطف ثمار الزيتون كما يجب".
وإضافة إلى قطع الأراضي الـ15 التي شملها قرار الاستيلاء، استولى المستعمرون على قطعتي أرض تعودان لغزال وتقدر مساحتهما بـ20 دونما، حيث أقاموا عليهما بؤرة استعمارية رعوية في السهل القريب من منطقة المسعودية الأثرية.
"كان لديّ زيتون عمره 35 سنة زرعته بيدي فيها… قطعوه بالكامل"، يقول غزال، موثقًا ذلك بالصور والفيديو، ولم يتوقف الاعتداء عند الأشجار، فقد سُرقت ساعات المياه ثلاث مرات، ودُمّرت شبكة الري والسياج، ونُقلت إلى داخل البؤرة الرعوية المقامة على الأرض.
ورغم الاعتداءات المتكررة التي تعرض لها، والضرب، والمطاردات، ما زال غزال يصرّ على الذهاب إلى أرضه، ولو بخوف: أذهب إليها مثل اللص، خاصة القريبة من البؤرة… المستعمرون يهاجمونني كلما توجهت إلى هناك.
وقدّم غزال اعتراضه على قرار الاستيلاء عبر البلدية وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان خلال المهلة القانونية المحددة بـ14 يومًا، وينتظر اليوم قرار محاكم الاحتلال، رغم عدم قناعته بإنصافه: "ماذا أتأمل من محاكمهم؟ غريمك هو القاضي… وإلى من تشكو أمرك؟".
ويؤكد غزال أن ذريعة الاحتلال بالاستيلاء واهية، بحجة أن البلدية لا تهتم بالموقع الأثري، وهو ما ينفيه تمامًا: "الهدف الحقيقي هو الاستعمار، ووضع اليد على المنطقة الأثرية، واستغلالها سياحيًا".
ورغم أن جميع هذه الأراضي تقع ضمن المنطقة المصنفة (ج) وفق اتفاقية أوسلو، فإن أصحابها يملكون إثباتات أنها ملكيات خاصة.
ووفق بلدية سبسطية، فإن قرار الاستيلاء يشمل 570 قطعة أرض، إضافة إلى ثمانية منازل وخمس منشآت سياحية ومنشأة صناعية، ومنشأتين زراعيتين.
وحسب رئيس بلدية سبسطية محمد عازم، فإن الآثار المترتبة على قرار الاستيلاء صعبة وكبيرة على البلدة، بالإضافة إلى الآثار الإستراتيجية لمشروع "حديقة السامرة" الذي تنوي حكومة الاحتلال إقامته، والذي يهدف إلى فصل مدن شمال الضفة الغربية عن بعضها وتعزيز الاستعمار، فإن للقرار آثارا اقتصادية مدمرة على أهالي البلدة.
ويشير إلى أن قطع الأراضي الـ570 التي شملها القرار تضم أكثر من 3000 شجرة زيتون رومية معمرة، ما يعني أن مئات العائلات ستفقد مصدر رزقها الرئيس، خاصة أن البلدة تعد من البلدات الأكثر إنتاجية لزيت الزيتون في المنطقة، كما أن القرار سيشكل خطرا حقيقيا على القطاع السياحي في البلدة، كونه يشمل خمس منشآت.
وعلى مساحة 1550 مترًا مربعًا من الأرض، بنى نهاد عبادي منزله الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 160 مترًا، ليحتضن عائلته المكونة من خمسة أفراد، هنا زرع أحلامه، وكبر أولاده بين الجدران التي شيدها حجرًا حجرًا منذ عام 1999، حين اشترى الأرض بعرق جبينه وأقام عليها بيته.
لكن قرار الاستيلاء جاء عليه كالصاعقة، "القرار صادم وموجع… هذا بيتي وتعب عمري كله"، يقول عبادي، وهو ينظر إلى منزله الذي يعيش فيه منذ أكثر من ربع قرن.
ويملك عبادي أوراق ملكية رسمية من الإدارة المدنية في "بيت إيل"، ورغم ذلك لم يتوقف القلق عن ملاحقته، فمنذ بدء البناء، أصدر الاحتلال أمر هدم، فاضطر إلى تقديم اعتراض، وحصل منذ عام 2000 على وقف احترازي يمنع الهدم، لكنه، منذ ذلك الوقت، يعيش في بيت بسقف من الصفيح، لا لأنه لا يريد أن يبنيه كما يحلم، بل لأنه يخاف أن يتحول أي حجر إضافي إلى سبب جديد للهدم، وفق ما يؤكد لـ"وفا".
واليوم، يعود الخوف من جديد مضاعفًا لدى عبادي وعائلته، الخوف من أن يُنتزع البيت والأرض معًا، "نحن أصلًا شعب مظلوم، ضائع بين الأوامر والقرارات… فكيف إذا وصل الظلم إلى البيت نفسه؟ ماذا بقي لنا من الحياة؟"، يتابع عبادي.
وقدّم عبادي اعتراضه من جديد، برفقة أهالي البلدة، عبر البلدية وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، على أمل أن ينقذ بيته من المصير المجهول، لكنه يؤكد أن الشعور بالعجز ثقيل: "حين يكون الخصم هو القاضي، يصبح الأمل سرابا".
ومن وسط هذا القلق، يوجّه نهاد رسالته إلى العالم، لا باسم نفسه فقط، بل باسم عائلته وكل من يعيشون الخوف ذاته: "دافعوا عن حق الشعب الفلسطيني في أن يعيش بكرامة… أوقفوا جرائم الاحتلال ومستعمريه بحقنا، ما يجري ليس تنظيمًا للأرض، بل مشروعا للسيطرة والاستعمار وتهجير البشر".
وبالقرب من الساحة في المنطقة الأثرية، يعيش أمجد عدلي مع أسرته المكونة من خمسة أفراد في منزل من طابقين، مقام على أرضه البالغة مساحتها 9 دونمات، والطابق الأول مرخّص منذ الأربعينيات، والثاني أُقيم في السبعينيات ويمتلك رخصة بناء من سلطات الاحتلال، وإلى جانبه منشأة سياحية "مطعم" أُنشئت عام 1990 على مساحة 450 مترًا مربعا.
وقبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان المطعم يعج بالحياة، ويؤمّن مصدر دخل لـ13 عائلة من العاملين فيه، لكن الحرب، وإجراءات الاحتلال، وتراجع الحركة السياحية، كلها حولت المكان إلى شاهد على الجريمة الاحتلالية.
أرض عدلي تقع على الخط الفاصل بين المنطقتين (ج) و(ب) وفق تقسيمات اتفاقية أوسلو، فبات المنزل والمطعم مهددين مع قرار الاستيلاء، لكنه يتابع قضيته برفقة أهالي البلدة أمام المحاكم الإسرائيلية، وهو لا يخفي تشاؤمه: منذ 1967 ونحن نتعرض للاعتداءات، لكنها ازدادت قسوة بعد الحرب على غزة… المستقبل يبدو سوداويًا.
وقال مدير مكتب هيئة الجدار والاستيطان شمال الضفة مراد اشتيوي، إن ما يجري عملية ضم عبر عدد من القرارات والأوامر الإسرائيلية التي تركز على الاستيلاء على الأراضي، والسيطرة عليها جنوب وشمال الضفة والأغوار الشمالية.
وتطرق إلى إعلان سلطات الاحتلال في الأسبوع الأول من حرب الإبادة على قطاع غزة، سياسة ضم الضفة الغربية، والسيطرة على أراضي الدولة، والاستعمار الرعوي، ومؤخرا ظهر أسلوب الاستعمار الأثري.
وأضاف، أن الاحتلال سيطر على 63 موقعا، منها 59 موقعا في محافظة نابلس.
وتابع اشتيوي، أن السيطرة على 1800 دونم من أراضي سبسطية شمال غرب نابلس، ترمي إلى تقطيع أوصال الضفة، خاصة شمالها وفصلها عن محافظتي جنين وطولكرم، حيث خصص الاحتلال 120 مليون شيقل، بحجة حماية هذه المواقع، و32 مليون شيقل لتهويد المنطقة الأثرية في سبسطية، وهو ما ينسجم مع مخطط السيطرة على مناطق مصنفة (ج) في سبسطية، وبرقة، والمسعودية، وهو ما يعني العودة للمستعمرات التي تم إخلاؤها بموجب خطة فك الارتباط عام 2005، كمستعمرة "حومش" شمال غرب نابلس.
وذكر أن الاحتلال يلوح بالعودة إلى مستعمرات "صانور"، ومستعمرتين أخريين في جنين، موضحا أن الهيئة تتابع هذه القرارات بالتنسيق التام مع المؤسسات الرسمية ومع بلدية سبسطية على الصعيدين القانوني والإعلامي، لتسليط الضوء على ممارسات الاحتلال المخالفة لقرارات الشرعية الدولية.
ــــــ
ز.ع/س.ك


