بيروت 16-4-2008 وفا- أكد ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية عباس زكي ورئيس حزب الكتائب اللبناني أمين الجميل، على بناء أفضل العلاقات بين اللبنانيين والفلسطينيين على قاعدة رفض التوطين وتنظيم السلاح الفلسطيني ومنح اللاجئين حقوقهم الاجتماعية في انتظار عودتهم إلى ديارهم.
جاء ذلك، في اللقاء الذي عقد في منطقة الصيفي بلبنان تحت عنوان 'المصارحة والمصالحة – ذكرى 13 نيسان'، بحضور فعاليات سياسية وحزبية لبنانية يتقدمهم قادة ومسؤولو حزب الكتائب، وجمع كبير من النواب والشخصيات السياسية والدبلوماسية وممثلو أحزاب وتنظيمات عدة إلى جانب إعلاميين.
وقد استهل الجميل، اللقاء، مرحباً بالحضور، ومذكراً بالحرب التي لم تكن دائما بطولات وشهادات وأدت بالعائلات اللبنانية إلى حداد متواصل منذ سنين ومنهم آل الجميل منذ عام 1975.
وسأل: 'متى نفك الحداد ويتوقف الموت ونعيش بسلام؟'. وشرح أنه كان مقاتلاً على الجبهات من الساحل إلى أعالي صنين، قائلا 'إنني أصررت إبان حصار بيروت في 1982 على أن اقصد 'ابو عمار' في ملجئه تحت الأرض بثلاث طبقات، مخترقا سلسلة الحواجز الإسرائيلية وغير الإسرائيلية لأقول له بضع كلمات تختصر مأساتنا المشتركة في كل أبعادها'.
وروى أن التواصل مع الجانب الفلسطيني لم ينقطع يوما رغم حدة القتال وضراوته، مضيفاً 'اشهد على ذلك ولأبي إياد رحمه الله، شهادة مماثلة خطية، ما زلت احتفظ بها وثيقة من الوثائق التاريخية التي تشهد للوجه الآخر من المأساة اللبنانية الفلسطينية'.
وقال الجميل إنه لم يجد جوابا عن التساؤل، عما إذا كان ينبغي الحيلولة دون اندلاع الحرب بأي ثمن، ملاحظاً أن أحداً لم يعلن بعد كيف كان يمكن منع هذا النزاع بأي وسيلة.
وفسر سبب الكارثة الأول بأن الشعوب لا تتعلم من التاريخ، بل في التاريخ، أي في التجارب المرة لا من خلال ما يكتب ويروى عن تجارب الأمس وحروبه ومآسيه.
وثاني الأسباب التورط في بدعة التأليف والتوفيق بين منطق الدولة ومنطق الثورة التي لم يسبق أن جربها لبنان، ضارباً مثلاً بـ'السماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان، بالمشاركة في الثورة الفلسطينية من خلال الكفاح المسلح ضمن سيادة لبنان وسلامته، كما جاء في اتفاق 1969، اتفاق القاهرة'.
وشرح موقف الكتائب التاريخي من القضية الفلسطينية، معتبراً أنها كانت في مستوى العقيدة، مضيفا 'هكذا رأى بيار الجميل قضية فلسطين، ومن خلال رؤية إستراتيجية يتجاوز التفاوض حول رقعة من أرض فلسطين تزيد أو تنقص كيلومترات معدودة، إن وجود إسرائيل هو المسألة، والدولة الديمقراطية في فلسطين هي الحل الحقيقي، وعلى غرار التجربة اللبنانية، التعددية والحضارية والإنسانية، ولعله من هذا القبيل كان خائفاً على التجربة اللبنانية من نقيضها على ارض فلسطين'.
وأشاد جميل بـ'إعلان فلسطين من لبنان'، قائلاً إنه بهذا تم الاعتراف بثقل القضية الفلسطينية على لبنان وعلى دولته واقتصاده واجتماعه الإنساني وصيغة عيشه'، ووصفه بـ'المبدع في مقاربته للمصالحة الحقيقية، حيث الصفح المتبادل المقرون بالاعتراف المتبادل بالخطأ أو بالذنب أو بالإساءة'.
وتابع 'لايسعنا في هذه الحال، إلا أن نرى الوجود الفلسطيني في لبنان بعين أخرى، ما دام يضع نفسه تحت حكم القانون اللبناني، وسيادة الدولة على كل أراضيها كما على كل المقيمين عليها، وما دام الفلسطينيون لا يريدون سلاحاً ولا يعترفون إلا بسلاح الدولة والشرعية'.
ودعا إلى النهوض بأحوال المخيمات الفلسطينية، نظراً للبؤس الذي يعيش فيه اللاجئون الفلسطينيون، متسائلاً عن تأخر الاعتراف بالمرجعية الفلسطينية في لبنان وتأكيدها أو الارتقاء بها من مستوى ممثلية إلى مستوى سفارة وبعثة تمثل السلطة الوطنية الفلسطينية القائمة على الأراضي الفلسطينية.
وخلص إلى أن ذلك كله يقتضي أن تكون لبنان دولة سيدة على جميع المقيمين فوقها من لبنانيين وغير لبنانيين، ومن مؤسسات عامة وخاصة، مؤكدا أن لا مساومة على قيام الدولة، إذ لم تحدث هذه المساومة لدى الاتفاق على دولة الاستقلال في الأربعينات من القرن الماضي، ولا وضع أحد شرطاً مسبقاً مثل تعديل الدستور، أو إعادة النظر في الحصص في السلطة، ولا كان تعليق للدستور أو تأجيل للانتخابات التشريعية والرئاسية، ولا كانت هناك سلة من المطالب المسبقة.
وختم الجميل بالإشادة بالموقف الفلسطيني من قضية مخيم نهر البارد، واعتبره بمنتهى الشجاعة والشعور بالمسؤولية، وحض على أن تكون هذه التجربة نموذجاً للتعاون على رفع الضيم عن الشعبين ولتأكيد حقهما في الحياة.
من ناحيته، وجه زكي التحية إلى منظمي اللقاء وأرواح الشهداء والعوائل والضحايا البريئة، وقال إن فلسطين ولبنان يملكان خصائص مشتركة ويتمايزان في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد أن الدولة الفلسطينية هي المنقذ والحل وقيامها يعفي لبنان من هذا العبء الثقيل، وأن قيام الدولة الفلسطينية مسألة يجب أن تعني اللبنانيين أولا.
وندد بأي ممارسة سابقة ولاحقة تتسبب بضرر للبنانيين في انتظار قيام الدولة الفلسطينية، وتمنى أن يتعافى لبنان وتتكامل فيه مرتكزات الدولة لإيجاد أفضل صيغة لتنظيم العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، نظرا إلى الأعباء الثقيلة على الطرفين.
وشدد على أن اللاجئين الفلسطينيين هم ضيوف مؤقتون تحت سيادة القانون ولن يتدخلوا في الشؤون اللبنانية.
وشرح أن حرب تموز 2006 حالت دون تطبيق قرارات الحوار اللبناني في الشأن الفلسطيني، واتت قضية مخيم نهر البارد وإحضار الإرهابيين إليه لتمثل تحدياً جديداً، ولكن بحكمة الحكماء وشجاعة الجيش اللبناني حُلت هذه المسألة.
وتأمل أن يكون هذا اللقاء نموذجا لكل اللبنانيين للانتقال إلى وضع أفضل، مؤكدا أن الفلسطينيين لا يحملون مشروعاً سياسياً لهم في لبنان، وأنهم منحازون إلى سيادة لبنان واستقلاله.
وتقدم أخيرا باعتذار إلى أرواح الشهداء، متمنياً أن تبدأ مسيرة جديدة.
من جانبه عاد النائب اللبناني أكرم شهيب، بالذاكرة إلى زيارة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير إلى الجبل وقال: مسار المصارحة والمصالحة في لبنان نريده بين لبنان وفلسطين ونريده مع كل شقيق وصديق يؤمن بأن لبنان وطن وليس ساحة، وكيان وليس مساحة.
وقال عن إعلان الاعتذار الفلسطيني في 8 كانون الثاني 2008 'ليس غريبا على شعب ضميره ورمزه الرئيس الراحل ياسر عرفات أن يقوّم التجربة ويتعاطى بمسؤولية وكبر ويصارح نفسه، وبمسؤولية أيضا جاء الرد من 44 شخصية لبنانية، وكان النداء بالاعتذار إلى الإخوة الفلسطينيين في لبنان عن أعمال غير مبررة، وتم توقيت إعلانه عشية 13 نيسان'.
وأضاف: 'بمسؤولية يتوج حزب الكتائب اللبنانية 'الاعلان – الاعتذار' و'النداء – الاعتذار' بدعوته إلى المصارحة والمصالحة ليدفع بالتوجه إلى صوغ علاقات لبنانية – فلسطينية مبنية على التواصل والحوار'.
ووصف شهيب العلاقات بين اللبنانيين والفلسطينيين بأن 'قدرهما مواجهة عنصرية مغلقة يمثلها كيان صهيوني غاضب لأرض فلسطينية، ومواجهة نظام استبدادي مساره القبض على القضية الفلسطينية وشعبها وحركة تحرر هذا الشعب وقراره الوطني المستقل'.
واتهم النظام السوري بأنه حوّل خطوط التماس في الجولان محمية، في حين يزرع الشقاق في شعب فلسطين ويصدر الإرهاب إلى أطفال العراق الجريمة إلى شعب لبنان، ويضرب مقومات التضامن العربي ويمنع التوصل إلى أي حل.
واعتبر الاعتذار الفلسطيني مؤشرا واضحا لانتقال العقل الفلسطيني إلى حركة استقلال وطني، وأنه يساهم في صوغ علاقة أخوية سوية بين استقلال دولتين وشعبين لأنه ينطلق من احترام سيادة لبنان وقوانين الدولة اللبنانية.
ورأى 'أن التوطين كذبة يروجها بعضهم متناسين أن رفض التوطين مادة دستورية، وانه لا يمكن فرض التوطين ليس لأنه مادة دستورية فحسب، بل لأننا نرفض التوطين، ولأن الفلسطينيين يرفضون التوطين ويؤيدون حق العودة، والتوطين غير قابل للحصول، فلا يهددنا احد بشيء لن يحصل'.
وتحدث رئيس حركة اليسار الديمقراطي نديم عبد الصمد، قائلا 'إننا جميعاً قد أخطأنا، وكان لكل طرف منا مشروعه المبني على عدم الاعتراف بالآخر'.
ودعا إلى 'أن نكون أكثر جرأة وصراحة في التعامل مع الشأن الوطني وحيال مصير الوطن والأخطار التي تتهده، مع إصرار جهات إقليمية على إبقاء لبنان ساحة تصفية حسابات، وإبرام الصفقات مع العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية، مستندة إلى تحالف قوى 8 آذار الذي اقفل البرلمان، واحل الفراغ القسري في سدة الرئاسة رغم مزاعمهم اللفظية بتأييد المرشح التوافقي العماد سليمان'.
وحض على رؤية وطنية واضحة، والتخلي عن سياسات الهرب من الواقع والحقائق، وعدم دفع
البلاد إلى اتجاهات تزيد من عوامل التفرقة والانعزال بين مكوناته، بل يجب البحث عما يجمع ويوحد.
وأشاد عبد الصمد بالوثيقة الفلسطينية، ملاحظاً أنها 'لم تأت من فراغ، بل توجت نهجاً اتبعته السلطة الفلسطينية، يعتبر الشعب الفلسطيني ضيفاً على إخوانه في لبنان، وتحت سلطة القانون والدولة اللبنانية'.
وقال إن السلطة اللبنانية بعد 14 آذار، ليست ضد الشعب الفلسطيني، بل إنها في الموقع نفسه معه في الدفاع عن قضيته وحقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة، وأن الإشكالية حول السلاح يجب ألا تغيّب أبداً، ضرورة العمل على تأمين الحقوق الاجتماعية للفلسطينيين، وإفساح المجال أمامهم للعيش بكرامة، فليس مقبولاً إبقاء قوانين ظالمة لا إنسانية.
وحض على أن يكون اتفاق الطائف والدستور سقفاً للبرنامج الوطني، وعدم الدخول في مساومات تعود بالوطن إلى الوراء، فالطائف والسلم الأهلي صنوان، وهو يحمل الكثير من الضمانات للأركان الأساسية للبلد من الاستقلال والوحدة الوطنية إلى تجاوز الطائفية وانجاز الإصلاح السياسي والإداري والتنمية اللامركزية.
وقال 'انطلاقاً من الطائف ودستوره ومن الدعوة إلى إعادة النظر في التقسيمات الإدارية، إن مدخل الإصلاح المتكامل، وإعادة بناء الدولة الحديثة المدنية العادلة، هو في إقرار قانون حديث للانتخابات، يؤمن صحة التمثيل، ويضع حداً لمحاولات النزول تحت سقف الطائف في اتجاه التمثيل المذهبي، وهذا منحى لا نرى انه يبني وطناً بل يولّد تناحراً.
وشدد على أهمية وجود قانون انتخاب وطني يتيح تمثيلاً عادلاً للبنانيين، مبديا تأييده بكل قوة اقتراح لجنة الوزير السابق فؤاد بطرس.
ــــــــــــــ
ا. ف (13.28 ف) ، (10.28 جمت)