غزة 20-12-2025 وفا- شدد بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، على أن ما جرى في غزة لا ولن يُنسى، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى التطلع نحو المستقبل، مؤكدا الالتزام بإعادة بناء البيوت والمدارس والحياة.
ويوم أمس الجمعة، وصل البطريرك بيتسابالا إلى مدينة غزة، برفقة النائب البطريركي العام المطران وليم شوملي، ووفد من البطريركية اللاتينية في القدس، في الزيارة الراعوية الميلادية السنوية إلى كنيسة العائلة المقدسة في المدينة، قبيل عيد الميلاد المجيد حسب التقويم الغربي.
وقال البطريرك خلال لقائه أبناء الكنيسة: "لن ننسى ما حدث، لكننا ننظر إلى الأمام. سنعيد إعمار بيوتنا ومدارسنا، وسنبني من جديد حياتنا. نحن من هنا، وسنبقى هنا. وفي هذا البحر من الدمار، نسعى لأن نكون مثالًا للجميع على معنى البناء من جديد".
وأضاف: "للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب أشعر بشيء من الراحة وأنا بينكم هنا"، متابعا: "أعرف أن الوضع صعب، وألمسه في حياة الأطفال، وفي المدرسة، وفي الأنشطة التي ما زالت مستمرة رغم كل شيء، لكن حتى في هذا الظلام تبقى شعلة أمل حاضرة".

وأكد أن غزة ليست وحدها، مشيرًا إلى أن "الكنائس والمؤسسات والمسيحيين في مختلف أنحاء العالم متحدون مع أهلها"، وقال: "لقد أظهرتم خلال الحرب، وأكثر وضوحًا اليوم، ماذا يعني أن يبقى الإنسان قويًا في إيمانه. قدمتم شهادة حية على الصمود والإيمان والرجاء، وصلت إلى العالم كله".
وتوقف البطريرك بيتسابالا عند معنى عيد الميلاد في هذا السياق، مؤكدًا أن الوجود إلى جانب الناس هو رسالة بحد ذاتها، وقال: "كنّا هنا خلال الحرب، واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، علينا أن نبقى هنا، لأن هذا هو مصدر حياتنا".
وختم كلمته بالتشديد على أن "المحبة وحدها قادرة على الشفاء"، مضيفًا: "يمكننا أن نعيد بناء الجدران والبيوت، لكن علينا أولًا أن نشفي القلوب"، مؤكدًا أن جميع الكنائس ستكون موحّدة في مرافقة غزة وإعادة بناء الكنيسة والحياة فيها.

وللعام الثالث على التوالي، يحل عيد الميلاد المجيد على قطاع غزة، في ظل تواصل الحصار والعدوان الإسرائيلي الذي خلّف دمارا واسعا ومعاناة غير مسبوقة.
وقالت البطريركية اللاتينية في بيان، إن البطريرك سيتفقد خلال زيارته التي تستمر ثلاثة أيام، الأوضاع الحالية للرعية، بما في ذلك الجهود الإنسانية والإغاثية ومبادرات إعادة التأهيل القائمة حاليا والتطلعات المستقبلية. كما سيلتقي رجال الدين المحليين وأبناء الرعية لتلقي إيضاحات حول احتياجات المجتمع والمبادرات الجارية لدعمهم. وسيترأس البطريرك يوم غد الأحد قداس عيد الميلاد المجيد في كنيسة العائلة المقدسة.
وأضافت: "تشكّل هذه الزيارة بداية احتفالات عيد الميلاد في مجتمع عاش ولا يزال يعيش أوقاتًا عصيبة. وتعيد هذه الزيارة تأكيد الروابط الأصيلة بين رعية العائلة المقدسة في غزة وأبرشية القدس، وتعبر عن التزام البطريركية اللاتينية الدائم بمرافقة المؤمنين في صلاتها وتضامنها وإحياء الأمل".
وتشير المعطيات إلى أن عدد المواطنين المسيحيين في قطاع غزة تقلص إلى نحو 700 مواطن خلال حرب الإبادة، بعد أن كان عددهم يصل إلى نحو 1100 مواطن قبل بداية الحرب. واضطر العديد منهم للنزوح من منازلهم إلى كنيسة العائلة المقدسة للاتين وكنيسة القديس بورفيريوس للروم الأرثوذكس والكنيسة المعمدانية داخل مستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف أيضا بالقصف والتدمير الكنائس الثلاث، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من النازحين.

وتعرضت كنيسة العائلة المقدسة لعدة اعتداءات إسرائيلية خلال الحرب الأخيرة، ما أدى إلى أضرار جسيمة في المبنى. ففي 17 تموز/يوليو 2025، استشهد ثلاثة مواطنين هم: نجوى أبو داود وفومية عيسى عياد وسعيد عيسى سلامة، وأصيب 7 آخرين بجروح بينهم راعي الكنيسة الأب غابرييل رومانيللي في قصف الاحتلال كنيسة العائلة المقدسة، والذي خلّف أضرارا بمبنى الكنيسة. وفي 16 كانون الأول/ ديسمبر 2023، استشهدت المواطنة ناهدة خليل أنطون وابنتها سمر كمال أنطون داخل حرم الكنيسة جراء إطلاق نار من قناص إسرائيلي، كما أصيب سبعة أشخاص أثناء محاولتهم إنقاذهما.
كما تعرضت دار المحبة والسلام التابعة للكنيسة، والتي تؤوي أطفالًا وكبار سن من ذوي الاحتياجات الخاصة، للقصف، ما ألحق أضرارًا جسيمة بها. إضافة إلى ذلك، قُصفت كنيسة القديس بورفيريوس في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما أدى إلى استشهاد 18 شخصًا، بينهم عشرة من عائلة واحدة.
وخلال الحرب، زار البطريرك بيتسابالا قطاع غزة ثلاث مرات، الأولى في 16 أيار/ مايو 2024، حيث التقى بأبناء كنيسة العائلة المقدسة، ووقف على معاناتهم، خاصة أولئك الذين لجأوا إلى الكنيسة بعد تدمير منازلهم. كما ترأس قداسًا في الكنيسة، وزار كنيسة القديس بورفيريوس، متفقدًا الأضرار التي لحقت بها جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي. والزيارة الثانية في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2024، حيث ترأس قداس عيد الميلاد المجيد في كنيسة العائلة المقدسة، وأكد استمرار دعم الكنيسة لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في هذه المحنة. والزيارة الثالثة في 18 تموز/ يوليو 2025، برفقة بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين والأردن ثيوفيلوس الثالث، ووفد كنسي، وذلك بعد يوم واحد من تعرض كنيسة العائلة المقدسة للاتين لقصف إسرائيلي.


ـــــ
ع.ف


