أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 28/05/2025 06:09 م

جرح ورد المفتوح

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

 

غزة 28-5-2025 وفا - تقرير: محمد دهمان

وسط الرماد المتناثر وألسنة اللهب التي التهمت أجسادا وأحلاما، هرعت الطفلة ورد الشيخ خليل، ابنه الخمسة أعوام، حافية القدمين مذهولة، باحثة عن النجاة، كما عن عائلتها. والدتها وأشقائها في مدرسة فهمي الجرجاوي بمدينة غزة.

المدرسة التي لجأت إليها ورد وعائلتها من حي الشجاعية هربا من الموت، تحولت بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي إلى مقبرة جماعية، ارتُكبت فيها واحدة من أبشع المجازر بحق المدنيين.

كانت ورد وعائلتها يقيمون في مدرسة فهمي الجرجاوي، التي كانت تؤوي مئات العائلات النازحة بعد أن دُمّرت منازلهم في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. اختار والدها، جلال الشيخ خليل (47 عامًا)، المدرسة بحثًا عن الأمان، بعيدًا عن القصف والدمار، لكن الأمان في غزة بات سرابًا.

في تلك الليلة العصيبة، قصفت طائرات الاحتلال محيط المدرسة دون أي إنذار مسبق، فاندلع حريق هائل، غطى الدخان سماء المنطقة، وتعالت صرخات النساء والأطفال، واستشهدت هبة الشيخ خليل والدة ورد، حرقًا وهي تحتضن صغيرتها أمل (3 أعوام).

أما إخوة ورد: عبد الرحمن (18 عامًا)، ومحمد (14 عامًا)، وماريا (13 عامًا)، وسلوان (11 عامًا)، فقد استشهدوا جميعًا في اللحظة ذاتها، وتحولت أجسادهم إلى أشلاء متفحمة.

نجا الوالد، جلال، بأعجوبة، لكنه اليوم يرقد في العناية المكثفة، يصارع من أجل البقاء. لا يعلم حتى اللحظة أن معظم أفراد عائلته استشهدوا، وفي كل مرة يستفيق من غيبوبته، يسأل عنهم، فيجيبه الأقارب: إنهم بخير، لكنهم في مكان آمن، ويبدو فعلا أنهم كذلك.

يروي إياد الشيخ خليل (55 عامًا)، عم ورد، لمراسل وكالة وفا، تفاصيل المشهد بالقول إن الجثامين كانت متفحمة بالكامل، لدرجة أنهم لم يتمكنوا من التعرف على الضحايا إلا عبر بقايا الملابس أو ملامح جزئية. يقول بأسى: "دفناهم جميعًا في اليوم ذاته.. ستة من بيت أخي، كانت مأساة لا توصف".

ويضيف: هذه ليست المأساة الأولى لنا، إذ استُشهد شقيقي الأكبر رياض، وابني علاء، بتاريخ 6 نيسان/ أبريل الماضي، أثناء تسوقهم في شارع النخيل بحي الشجاعية. كما أُصيب أولادي وسيم (27 عامًا) ومحمود (16 عامًا) في القصف ذاته. ودُمّرت كل بيوت العائلة، وأصبحنا نازحين نقيم في خيام غرب مدينة غزة، بلا مأوى ولا أمل.

ورغم سنها الصغيرة، تدرك ورد حجم الكارثة. تسأل باستمرار عن والدتها وإخوتها، لكنها لا تبكي، بل تهمس: "ماما وأخوتي في الجنة". تعاني من أرق دائم، لا تنام إلا حين يغلبها التعب، وتبدو صامتة أكثر مما ينبغي لطفلة في عمرها نتيجة الصدمة والذهول يقول عمها: "ورد لم تعد كما كانت. صمتت، وهدأت، وفي عينيها عشرات الأسئلة ومازالت تعيش الصدمة".

وفي لحظات نادرة، تقترب ورد من لعبة صغيرة احتفظت بها منذ نزوحهم الأول، وتضمها إلى صدرها، كأنها تعوّض بها حضنا غائبا.

لم تكن مدرسة فهمي الجرجاوي الأولى، ولن تكون الأخيرة، ضمن سلسلة الجرائم الإسرائيلية بحق المدارس والملاجئ.

منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، قالت إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 50 ألف طفل فلسطيني منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023

وعلى مدار نحو 20 شهرا من الإبادة في غزة، استهدف الاحتلال عشرات مراكز الإيواء، بينها: مدارس وجامعات وساحات مستشفيات ومناطق صنفها الجيش الإسرائيلي على أنها آمنة، ما أسفر عن استشهاد وإصابة آلاف الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وفق بيانات رسمية.

قصة ورد ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي لا تصل إلى عناوين الأخبار، ولا تحرك ضميرا في عواصم القرار. هذه الطفلة، التي مشت حية بين ألسنة النار، صارت رمزًا حيًا لمعاناة أطفال غزة: طفولة مسروقة، نجاة بدون حياة، ومستقبل مفقود.

ـــــ

م.د/ر.ح

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا