مكة المكرمة 3-6-2025 وفا- موفد (وفا) فضل عطاونة
في ظلال الكعبة المشرفة، ووسط جموع الطائفين والداعين، يعلو صوت حجاج فلسطين بالابتهال والدعاء، لا لأنفسهم فحسب، بل لوطن يئن تحت وطأة القصف والحصار، لشعب يودّع أبناءه في كل لحظة، ويعيش في ظل حرب تخطّت الأرقام والمعقول.
"نصلي أن نعود وقد توقفت الحرب"، بهذه الكلمات بدأ الحاج أحمد محمود مطر (71 عامًا) من سكان مخيم جباليا، حديثه وقد غرقت عيناه بالدموع، مشيرًا إلى أمنية واحدة ترافقه في كل سجدة: أن يعود إلى وطنه وقد توقفت آلة القتل الإسرائيلية التي لا تفرّق بين طفل وشيخ، بين بيت ومسجد، بين مدرسة ومستشفى.
فقد فُجع باستشهاد أكثر من 125 من أقاربه وأبناء عمومته، وأُصيب هو وزوجته بجروح بليغة إثر غارة على دير البلح، المنطقة التي نزحوا إليها من شمال القطاع.
"نجونا بقدرة إلهية، كنا على وشك الموت"، قالها وهو يشير إلى ندوب لا تزال شاهدة على تلك الليلة الدامية.
"غزة بلا أمان.. تحولت إلى رماد"، هكذا يصف مطر حال القطاع الذي غادره في يناير من العام الماضي بحثًا عن علاج. ويضيف: "ما يجري ليس حربًا، بل إبادة جماعية، والعالم يكتفي بالمشاهدة"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف هذه الكارثة.
فقدت منزلي.. وأدعو من مكة أن أعود إلى أرضي
من جهته، يقف الحاج محمد برهم أبو دقة (68 عامًا) أمام الكعبة، ودموعه تسبق كلماته، يتحدث عن منزله الكبير، المكوّن من أربعة طوابق، ومزارعه التي تحولت إلى ركام في عبسان الكبيرة بخان يونس.
كان قد غادر غزة للعلاج قبل العدوان بأسبوعين، لكنه بقي يحمل الوجع، ويأمل العودة ذات يوم إلى ما تبقى من بيته وأرضه.
يقول: "الاحتلال ومن يقف خلفه هم الشر المطلق.. حوّلوا قضيتنا من قضية وطن إلى مجرد حالة إنسانية وسؤال عن الطعام والمأوى".
"يوم القيامة حلّ في عبسان"، هكذا يصف حجم الدمار الذي خلّفه القصف، إذ دُمّر أكثر من 400 منزل في أيام معدودة. ويردف: "من أطهر بقاع الأرض، أدعو الله أن يرفع الظلم، ويشفي الجرحى، ويرحم الشهداء، ويُنهي المجاعة والمأساة غير المسبوقة التي نعيشها".
أمهات الأسرى يصلّين للحرية
في مشهد آخر، تجلس أم الأسير مجدي الجابر (67 عامًا) من قلقيلية، رافعةً يديها نحو السماء، متضرعة أن ترى ابنها الذي قضى 21 عامًا في الأسر، ويقترب من نيل حريته بعد ثلاث سنوات ونصف سنة.
"منذ بداية الحرب لم أزره.. ندعو الله أن يفك قيده، ويجمعه بنا"، تقول الأم التي تمثل آلاف الأمهات اللواتي لم يجف دمعهن. وتناشد إنهاء الانقسام، وتوحيد الصفوف، لأن "وحدة شعبنا هي طريق الخلاص".
ندعو الله أن يجمعنا في وطن محرر
أما الحاج خليل حمدان (57 عاما) من شمال الضفة الغربية، فيقول: "أصبحنا أوطانا ممزقة داخل وطن، والاحتلال يستغل كل انقسام لتوسيع استعماره، وتمزيق الضفة، وإبادة غزة".
ومن جوار الكعبة، يدعو حمدان أن يعود الجميع "إلى وطن واحد لا تعرف فيه غزة الضياع، ولا القدس التهويد، ولا الضفة التقسيم".
من مكة.. دعاء فلسطين يصعد
وهكذا، في رحلة الحج التي يُفترض أن تكون خلوة روحية، لم يتمكن الحجاج الفلسطينيون من الانفصال عن واقعهم الجريح. حملوا وطنهم في دعواتهم، وجراحه في سجداتهم، آملين أن يعودوا وقد تبدلت الأحوال، وعمّ السلام أرضًا اشتاقت للحياة بعد طول دمار، وبعد 600 يوم من "الذبح" والعدوان.
ــــــــ
ف.ع