أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 22/09/2025 03:03 م

العلاقات الفلسطينية – الفرنسية: من الدعم السياسي إلى الاعتراف الرسمي

 

رام الله 22-9-2025 وفا- تشهد العلاقات الفلسطينية – الفرنسية محطة جديدة ومهمة بعد أن تولت فرنسا، بالشراكة مع المملكة العربية السعودية، قيادة المؤتمر الدولي رفيع المستوى المعني بالتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، بالإضافة إلى توجهها للاعتراف بدولة فلسطين، اليوم الإثنين.

ففي 24 تموز/يوليو الماضي، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رده على رسالة أرسلها له الرئيس محمود عباس، أن فرنسا ستعترف اعترافا كاملا بدولة فلسطين عند ذهابه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل.

هذه الخطوة تعكس إدراك باريس المتزايد لضرورة لعب دور محوري وفاعل في الجهود الدولية لإيجاد مخرج عادل للصراع الممتد منذ عقود. بالنسبة للفلسطينيين، فإن المبادرة الفرنسية–السعودية تمثل بارقة أمل في ظل انسداد الأفق السياسي، وحرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023. أما بالنسبة لفرنسا، فهي تجسد استمرارًا لنهج تاريخي في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتأكيدًا على تمسكها بحل الدولتين كخيار استراتيجي يضمن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

ومع أن المواقف الفرنسية عبر العقود اتسمت بالتوازن الحذر بين علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل وواجبها الأخلاقي والسياسي تجاه فلسطين، إلا أن قيادتها لهذا المؤتمر تمثل رسالة واضحة بأن باريس لا تزال ترى نفسها لاعبًا رئيسيًا قادرًا على المساهمة في صياغة مستقبل المنطقة.

الموقف السياسي الفرنسي تجاه القضية الفلسطينية

ترتكز العلاقات الثنائية الفلسطينية-الفرنسية على التزام فرنسا الثابت بحل الدولتين. وترى فرنسا أن لا سبيل للتوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوى عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية تتوفر فيها مقومات البقاء، وتعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل. وتعتقد أن حل الدولتين وفق الحدود القائمة على أساس حدود عام 1967 والمرفق بحل عادل ومنصف ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين، هو السبيل الوحيد الكفيل في تلبية التطلعات الوطنية للإسرائيليين والفلسطينيين. ومن هذا المنظور، حددت فرنسا، مع شركائها الأوروبيين مقومات حل الصراع.

وتدعو فرنسا في هذا الإطار منذ مدة طويلة إلى إقامة دولة فلسطينية، فقد صوتت تأييدا للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية عضوا مراقبا في منظمة الأمم المتحدة، في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1974، مؤكدة حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. وصوتت فرنسا لصالح انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو بصفة دولة عضو في المنظمة في عام 2011، ولصالح منحها صفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. وكذلك، صوتت فرنسا في الجمعية العامة للأمم المتحدة تأييدا للقرار المطالب برفع أعلام الدول غير الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة والمتمتعة بصفة المراقب، كما هو الحال بالنسبة إلى فلسطين، أمام مقر المنظمة.

وتعتبر فرنسا أن على القدس أن تصبح عاصمة الدولتين، كما وأنها لا تعترف بأي سيادة على القدس بموجب الشرعية الدولية إلى حين تسوية الصراع عبر التفاوض. وترى فرنسا، على غرار سائر المجتمع الدولي، أنه طالما لم يسو وضع فلسطين بناء على المفاوضات بشأن وضعها النهائي، يتعين على الطرفين الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يقوض الوضع الراهن.

خلفية تاريخية

منذ نكسة عام 1967 وما تلاها من احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، برزت فرنسا كلاعب أوروبي له موقف مختلف نسبيا تجاه القضية الفلسطينية. فالرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول كان من أوائل القادة الغربيين الذين انتقدوا الاحتلال الإسرائيلي، ودعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران. وقد شكل هذا الموقف حجر الأساس في تمايز السياسة الفرنسية لاحقا.

في السبعينيات، أقامت فرنسا قنوات اتصال مبكرة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ما منحها بعدا مميزا عن بقية الدول الأوروبية.

ومع صعود الرئيس الراحل فرانسوا ميتران (1981-1995)، أخذت العلاقات بعدا رسميا أوضح، حيث زار الرئيس الراحل ياسر عرفات باريس عدة مرات، وحظيت القضية الفلسطينية بمكانة معتبرة في السياسة الخارجية الفرنسية.

الرئيس الراحل جاك شيراك رسخ هذا النهج خلال زيارته الشهيرة إلى القدس في تشرين الأول/أكتوبر 1996، حين أصر على رفض الممارسات الإسرائيلية في البلدة القديمة، بالإضافة إلى زيارته إلى رام الله واستقباله من الرئيس الراحل عرفات في مشهد ما زال حاضرا في الذاكرة الفلسطينية، حيث ألقى خطابا في المجلس التشريعي الفلسطيني ليصبح أول مسؤول دولي رفيع يفعل ذلك.

أما الرئيس نيكولا ساركوزي، فرغم علاقاته الوثيقة بواشنطن، فإنه حافظ على الخط العام الداعم لحل الدولتين. تلاه الرئيس فرانسوا هولاند، الذي حاول إطلاق مبادرة فرنسية للسلام عام 2016، لكنها لم تكتمل. ومع الرئيس إيمانويل ماكرون، واصلت فرنسا موقفها المبدئي الرافض للاستيطان والداعم لقيام دولة فلسطينية.

محطة أخرى مهمة كانت عام 2014، عندما صوت البرلمان الفرنسي بأغلبية لصالح الاعتراف بدولة فلسطين. ورغم أن القرار لم يكن ملزما للحكومة، فإنه عكس المزاج العام داخل المجتمع الفرنسي تجاه دعم الحقوق الفلسطينية.

العلاقات السياسية والدبلوماسية

تشكل فرنسا، كعضو دائم في مجلس الأمن، إحدى أبرز القوى التي يمكنها التأثير على مسار القرارات الدولية المتعلقة بفلسطين. على مدار العقود الماضية، دعمت باريس معظم القرارات الأممية التي تؤكد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ورفضت الإجراءات الإسرائيلية الأحادية مثل الاستيطان وضم الأراضي.

برز الدور الفرنسي في أكثر من مبادرة، أهمها مؤتمر باريس للسلام الذي عقد عام 2017 بمشاركة دولية واسعة، والذي أكد مجددا على مركزية حل الدولتين. واليوم، يعاد إحياء هذه الروح عبر المؤتمر الدولي الذي تقوده فرنسا والسعودية، ليمنح فلسطين دعمًا سياسيا عالي المستوى.

تؤكد باريس باستمرار أن الاستيطان غير شرعي بموجب القانون الدولي، وتعارض أي خطوات تهدد الوضع القائم في القدس، بما في ذلك محاولات تغيير هوية المدينة أو تقسيم المسجد الأقصى. وقد تكرر هذا الموقف في تصريحات الرئاسة الفرنسية ووزارة الخارجية عقب كل تصعيد إسرائيلي.

شهدت العلاقات زيارات متكررة للقيادة الفلسطينية إلى باريس، كان آخرها لقاءات الرئيس محمود عباس مع الرئيس ماكرون. كما تحتفظ فرنسا بقنصلية عامة في القدس الشرقية، تعتبر بحكم الأمر الواقع سفارة لدى فلسطين، وهو وضع دبلوماسي خاص يعكس موقفها من القدس كأرض محتلة.

وتم رفع التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في فرنسا إلى بعثة دبلوماسية تتمتع بجميع الامتيازات التي تمنح للبعثات الدبلوماسية في فرنسا، ويتم تقديم أوراق الاعتماد إلى رئيس الجمهورية الفرنسية.

المساعدات الإنسانية لقطاع غزة

وصلت قيمة المساعدات التي تقدمها فرنسا إلى قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى أكثر من 250 مليون دولار. وكانت فرنسا أول من بادرت بعقد مؤتمر إنساني حول الوضع في قطاع غزة بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 في باريس، افتتحه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون وبمشاركة رئيس الوزراء حينها محمد اشتية وأكثر من 50 دولة مانحة.

وعقدت وزارة الخارجية الفرنسية اجتماع متابعة للمؤتمر عن طريق الانترنت بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2024، بمشاركة وزراء خارجية من عشرات الدول. وخلال هذا الاجتماع، أعلنت فرنسا أنها قدمت خلال عام 2023، 100 مليون يورو كمساعدات إنسانية إلى القطاع، من ضمنها 55 مليون يورو لدعم وكالة الأونروا، و13 مليون يورو لدعم برنامج الغذاء العالمي، و9 ملايين يورو لدعم برامج باقي مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في قطاع غزة و6 ملايين يورو للجنة الدولية للصليب الأحمر، بالإضافة إلى 17 مليون يورو من قبل مركز إدارة الأزمات التابع لوزارة الخارجية الفرنسية. وفي شهر آذار/مارس 2024، أعلنت فرنسا عن دعم إضافي لوكالة الأونروا بمبلغ 60 مليون يورو لعام 2024.

كما قدمت فرنسا دعم طبي للجرحى في قطاع غزة، تمثل في الإجلاء الطبي إلى المستشفيات الفرنسية لعدد من الأطفال الجرحى، وعلاج مئات الجرحى على متن السفينة ديكسمود في العريش، ودعم الهياكل الطبية التابعة للمنظمات غير الحكومية الموجودة في غزة أو تلك التي تديرها البلدان الشريكة، وتغطية نفقات علاج عدد من الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية.

العلاقات الاقتصادية والتجارية

رغم محدودية التبادل التجاري المباشر بين فلسطين وفرنسا بسبب القيود الإسرائيلية على المعابر، فإن باريس تبقى من أبرز الداعمين لاقتصاد فلسطين عبر المساعدات والمشاريع التنموية.

الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) تعد الذراع الرئيسية لدعم المشاريع الفلسطينية. حيث مولت مشاريع في مجالات المياه والصرف الصحي والطاقة المتجددة، إلى جانب برامج لدعم البلديات وتعزيز الحوكمة المحلية.

ساهمت فرنسا في تطوير مدارس ومستشفيات ومشاريع طاقة شمسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما لعبت دورا مهما في دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لضمان استمرار خدماتها الأساسية للاجئين الفلسطينيين.

وفي إطار اللجنة الفلسطينية -الفرنسية المشتركة، في عام 2018 تم توقيع بروتوكول مالي بين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الفرنسية مع وزارة الاقتصاد الوطني، وإعلان نوايا بشأن البيئة وتغيير المناخ والتنمية المستدامة مع سلطة جودة البيئة، وخطاب نوايا حول الدفاع المدني وحماية السكان، وإعلان نوايا حول التعاون اللامركزي بين بلديات فرنسية وفلسطينية مع وزارة الحكم المحلي، واتفاقية بخصوص مساعدة الموازنة العامة مع وزارة المالية، وخطاب نوايا بشأن تعزيز التعاون التربوي الفلسطيني الفرنسي، مع وزارة التربية والتعليم العالي، وإعلان نوايا بشأن التعاون الزراعي الفلسطيني بين وزارة الزراعة الفلسطينية ووزارة الزراعة والغذاء الفرنسية، واتفاقية دعم الوكالة الفرنسية للتنمية لمشاريع سلطة المياه الفلسطينية.

التعاون الثقافي والتعليمي

يشكل التعاون الثقافي أحد أبرز وجوه العلاقات الثنائية. فالمعاهد الفرنسية في القدس ورام الله وغزة تنشط في تعليم اللغة الفرنسية وتنظيم الفعاليات الثقافية. كما أن آلاف الطلبة الفلسطينيين استفادوا من المنح الدراسية للالتحاق بالجامعات الفرنسية.

توجد اتفاقيات تعاون بين جامعات فلسطينية ونظيرات فرنسية، تسهم في تبادل الخبرات والبحوث. وتعد الجامعات الفلسطينية أحد أبرز المستفيدين من برامج الاتحاد الأوروبي التي تدعمها فرنسا.

تنظم فرنسا مهرجانات فنية وأدبية في الأراضي الفلسطينية، ما يتيح مجالا للتفاعل الثقافي بين الشعبين. وتلعب هذه الأنشطة دورا في تعزيز القوة الناعمة الفرنسية في فلسطين.

مؤتمر "حل الدولتين"

تشكل العلاقات الفلسطينية – الفرنسية نموذجا لعلاقة متوازنة تقوم على التاريخ والدبلوماسية والثقافة والمصالح المشتركة. ففرنسا، رغم ارتباطاتها الاستراتيجية بإسرائيل، لم تتخل عن دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني، بل سعت إلى الحفاظ على خط ثابت يقوم على حل الدولتين ورفض الاستيطان. واليوم، مع قيادتها للمؤتمر الدولي إلى جانب السعودية، تؤكد باريس أنها لا تزال طرفا فاعلا يمكن أن يسهم في إعادة إحياء المسار السياسي. وبالنسبة للفلسطينيين، تبقى فرنسا شريكا مهما، وصوتا يمكن التعويل عليه داخل الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن لدفع عجلة السلام.

ــــــــــــــــــــــــ

ع.ف

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا