سلفيت 27-11-2025 وفا – عُلا موقدي
ودّعت محافظة سلفيت يوم الأحد الماضي أحد أبرز رجالاتها الوطنيين، المناضل نذير فاروق السلخي "أبو جهاد"، الذي رحل عن عمر ناهز 58 عامًا، بعد مسيرة نضالية طويلة شكّلت جزءًا من التاريخ الوطني في المحافظة، تنقّل خلالها بين المطاردة والأسر، ثم بين مواقع العمل التنظيمي وخدمة الحركة الأسيرة، قبل أن يختتم مسيرته بمواجهة طويلة مع المرض لم تفقده إيمانه وصبره.
برز اسم السلخي منذ سنوات الانتفاضة الأولى، حين التحق مبكرًا بصفوف الحركة الوطنية، حيث شارك في العمل الوطني الميداني وتعرض للمطاردة لمدة خمس سنوات، متنقلًا من منطقة لأخرى، معتمدًا على شبكة واسعة من الداعمين في القرى والبلدات. تحرك خلالها بين المناطق الوعرة في سلفيت وقلقيلية، ورغم صعوبة تلك المرحلة وظروفها الأمنية، بقي متمسكًا بما يؤمن به، رافضًا الاستسلام أو مغادرة الساحة.
كانت تلك السنوات محطة مفصلية في حياته، شكّلت جزءًا كبيرًا من شخصيته؛ فالمطاردة لم تكن مجرد هروب من قوات الاحتلال فحسب، بل كانت تدريبًا على الثبات والإصرار، وصناعة صلابة رافقته في كل المراحل اللاحقة.
وبعد اعتقاله، قضى خمس سنوات في سجون الاحتلال، كان خلالها لاعبًا أساسيًا في تنظيم صفوف الحركة الوطنية داخل السجون، وتعزيز الروح المعنوية بين الأسرى، وإسهامه في تعزيز الثقافة الوطنية داخل الأقسام والسجون.
يُجمع الكادر التنظيمي في سلفيت على أن السلخي كان من الأسماء التي لعبت دورًا محوريًا في تأسيس وبناء الهيكل التنظيمي لحركة فتح في المحافظة خلال المراحل الأولى.
من جهته، يقول عضو المجلس الثوري لحركة فتح جمال حماد "أبو رجائي" لـ "وفا": "يُعدّ نذير السلخي أحد أبرز القادة التاريخيين لحركة فتح في محافظة سلفيت، ورمزًا من رموز الجيل الذي حمل مسؤولية إعادة البناء التنظيمي في واحدة من أدقّ المراحل السياسية. فقد كان من أوائل المؤسسين للعمل الفتحاوي في المنطقة، وشغل موقع عضو اللوائية التي كانت تضم محافظتي سلفيت وقلقيلية، ثم أصبح أحد الأعضاء المنتخبين في أول لجنة إقليم تتشكل لمحافظة سلفيت بعد إعادة الهيكلة".
ويضيف حماد: "في تلك المرحلة الحسّاسة التي أعادت فيها الحركة بناء مؤسساتها وقواعدها، لعب الراحل دورًا جوهريًا في تأسيس واعتماد المناطق التنظيمية المستقلة، وصولًا إلى الإقليم بصيغته الحالية. وقد مثّل أبو جهاد جسرًا حيًا بين جيل الروّاد بقيادة الشهيد محمد غالب، وبين الجيل التنظيمي الجديد في بلدة الزاوية، محافظًا على وحدة الخط الوطني والفتحاوي، وضامنًا لاستمرارية المدرسة التنظيمية التي عُرفت بها الحركة في محافظة سلفيت".
ويؤكد حماد أنه لم يكن نذير السلخي مجرد قائد ميداني، بل مرجعًا تنظيميا يُعاد إليه في المراحل المفصلية، وخاصة عند إعادة تأسيس الأطر وترتيب الصفوف واتخاذ القرارات الحساسة. ولهذا اعتبرته الأطر الفتحاوية أحد الأعمدة الثابتة في بناء إقليم سلفيت، وشخصية مركزية في ترسيخ بنية الحركة وتطوير مساراتها التنظيمية عبر العقود.
وكان يُعرف عن السلخي أنه يعمل بعيدًا عن الأضواء، تاركًا أثره في التفاصيل اليومية لمسار الحركة، وفي نفوس الكوادر الذين اعتبروا تجربته مدرسة خاصة في الالتزام.
خدمة الأسرى… مسؤولية حملها بإيمان
بعد الإفراج عنه بتاريخ 5/5/1994، تولّى السلخي إدارة هيئة شؤون الأسرى والمحررين في سلفيت، حيث عمل على متابعة قضايا الأسرى والاهتمام بأوضاعهم الاجتماعية والقانونية، ووجد نفسه أمام دور ينسجم تمامًا مع تجربته الشخصية.
وعرف عنه تواصله المستمر مع عائلات الأسرى، وتقديمه الدعم اللازم لهم، ما جعله أحد أبرز الشخصيات المرتبطة بملف الحركة الأسيرة في المحافظة.
يقول مسؤول دائرة العلاقات العامة والإعلام في هيئة شؤون الأسرى والمحررين بمحافظة سلفيت، زهران الديك، لـ"وفا": إن السلخي كان "يحمل قضية الأسرى كأمانة شخصية"، ولعب دورًا مهمًا في تمثيلهم ونقل معاناتهم للمؤسسات الرسمية.
ويبين الديك أن مرحلة السلخي شهدت نشاطًا واسعًا للهيئة في المحافظة، نظرًا لقدرته على إدارة الملفات بتوازن بين الجوانب القانونية والاجتماعية والوطنية، إضافة إلى متابعته لقضايا الأسرى القدامى والمرضى والمحررين.
واجه السلخي على مدار السنوات الأربع الأخيرة مرضًا عضالًا تطلّب متابعةً طبية مستمرة، لكنه خاضه بروح المناضلين الذين لا ينكسرون. وبحسب شهادات عائلته ورفاقه، حافظ على ابتسامته وثباته طوال رحلة العلاج، وظل حتى أيامه الأخيرة ثابتًا على قناعته بأن الصبر جزء من الإيمان ومن السيرة النضالية، وتعامل مع المرض باعتباره تحديًا يشبه كل التحديات التي مرّ بها في حياته.
وشُيّع السلخي في جنازة مهيبة انطلقت يوم الأحد الموافق 23-11-2025 من بلدته الزاوية، بمشاركة واسعة من كوادر حركة فتح وقيادات العمل الوطني وممثلي المؤسسات الرسمية والأمنية، الذين أكدوا أن رحيله يُشكّل خسارة وطنية كبيرة لمحافظة سلفيت وللمشهد النضالي العام.
وشهدت الجنازة حضورا واسعا من أبناء الحركة بمختلف مستوياتهم التنظيمية، إضافة إلى أهالي المحافظة ورفاق الراحل، في مشهد يعكس حجم التقدير الذي حظي به ومساحة الحضور التي شغلها في الوعي المحلي ومسيرة العمل الوطني.
وبرحيل نذير السلخي، تخسر محافظة سلفيت أحد أعمدتها الوطنية البارزة، ورجلًا عرفته الميادين التنظيمية والمجتمعية على حد سواء.
ــ
إ.ر


