طوباس 2-12-2025 وفا- إسراء غوراني
في مشهد يفتح الباب على تساؤلات عديدة ويحمل في طياته رسائل خفية، أقدم رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي إيال زامير على اقتحام محافظة طوباس والأغوار الشمالية، أمس الاثنين، برفقة عدد من كبار القادة العسكريين، بالتزامن مع استئناف قوات الاحتلال عدوانها على محافظة طوباس في عملية عسكرية أُطلق عليها "الحجارة الخمسة".
مشاهد عديدة وذات طابع عسكري استعراضي استخدمها الاحتلال في عدوانه الأخير على المحافظة لا تتناسب، وفقا لمحللين، مع طبيعة الظرف والميدان، بالنظر إلى عملية يقف فيها جيش مدجج بالعتاد والسلاح مقابل مدنيين يستخدم ضدهم قوته المفرطة.
تلك المشاهد كانت لافتة منذ بداية العدوان نهاية الأسبوع الماضي، من خلال مرافقة سلاح الجو لبداية العملية وإطلاق النيران من الرشاشات الثقيلة من الطائرات في أجواء المحافظة، ومن ثم عمليات إنزال الجنود من المروحيات في أكثر من منطقة، وصولا إلى اقتحام رئيس الأركان.
هذا المشهد الأخير يعيد إلى الأذهان اقتحام رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لمخيم طولكرم، وكذلك اقتحام وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس لمخيمات جنين وطولكرم في فترات متقاربة مطلع العام الجاري، مع إطلاق الاحتلال عدوانه الواسع على شمال الضفة في عملية عسكرية أطلق عليها في حينه "السور الحديدي".
أهداف خفية
كل ما يجري على الأرض في محافظة طوباس خلال هذا العدوان، يوحي بأن الاحتلال يسعى من خلاله إلى تنفيذ أهداف غير معلنة.
وعن الأهداف الخفية التي تحملها هذه العملية العسكرية، يشير المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي محمد علان دراغمة إلى أن هذه العملية ليست ذات طابع أمني بقدر تحمله من أهداف عديدة، ومنها: تدريب جيش الاحتلال على العمل في المناطق السكانية المأهولة، وإبقاء الجنود على جاهزية عالية، مضيفا أن الاحتلال كان قد استبق هذه العملية بتدريب كبير في مناطق الأغوار.
وأوضح، أن العملية من بدايتها تحمل أيضا أهدافا سياسية، وهي جزء من مشهد كامل من التصعيد في الضفة، ولكن خصوصية منطقة طوباس والأغوار الشمالية أن جيش الاحتلال يعمل فيها بالتوازي مع المستعمرين على خلق واقع جديد على الأرض، فالمستعمرون يعربدون وينفذون اعتداءات تهدف إلى دفع تجمعات الأغوار إلى التهجير والاستيلاء على أراضيها، فيما يكمل الجيش المهمة بتسهيل ذلك لهم من خلال إصدار أوامر عسكرية بالاستيلاء على الأراضي.
ومن آخر هذه الأوامر استيلاء الاحتلال على 1042 دونما من أراضي المواطنين في منطقة طوباس والأغوار، لشق طريق من عين شبلي إلى حاجز تياسير.
وأضاف دراغمة: "نشاط الاحتلال الأمني والعسكري في محافظة طوباس يتناغم مع المخططات الاستعمارية ويوفر البنية التحتية لتنفيذ مشروع الضم الفعلي للأغوار".
وعن العلاقة المباشرة بين العملية العسكرية في طوباس بهذه المخططات، أكد دراغمة أن امتداد محافظة طوباس واسع جدا، وسكان المحافظة هم أنفسهم يملكون أراضي الأغوار الشمالية، فتأتي هذه العملية لخلق نوع من الرعب لدى المواطن الفلسطيني وحصر تفكيره في أمنه الشخصي فقط، وقتل تطلعاته إلى المستقبل والأرض، وهذا يتساوق مع العبارة التي يرددها المستعمرون مؤخراً ويدونونها على مفترقات الطرق بالضفة: (لا مستقبل بفلسطين).
وفيما يتعلق بالمشاهد اللافتة التي تخللها عدوان الاحتلال الأخير في محافظة طوباس، من استخدام الرشاشات الثقيلة من سلاح الجو، وعمليات الإنزال من المروحيات، وصولا إلى اقتحام زامير للمنطقة، يرى دراغمة أن الاحتلال منذ بداية هذه العملية التي تشارك فيها ثلاثة ألوية يستخدم قوة ضخمة لا تتناسب مع طبيعة الوضع في المنطقة.
واعتبر أن الاحتلال يريد من خلال ذلك تعزيز نظرية الردع، وخاصة عندما يستخدم الجيش هذا المستوى من القوة العسكرية ضد مدنيين، ويُجري مداهمات مرعبة لمنازلهم.
تصعيد متواصل
وشدد على أن الاحتلال بدأ التصعيد العسكري الخطير بالضفة ليس فقط تزامنا مع حرب الإبادة على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بل سبق ذلك عبر عملية أطلق عليها "كاسر الأمواج" بدايات عام 2022، إذ شهدت الضفة خلالها فترة دموية واستخداما واضحا للقوة المفرطة، خاصة أن الجيش منذ ذلك الوقت أقر استخدام سلاح الجو خلال عملياته بالضفة، ونفذ عددا من عمليات القصف.
كما استبعد دراغمة أن تتراجع حدة اقتحامات الاحتلال وانتهاكاته في الضفة، منوها إلى أن تخفيف التصعيد مرتبط بوجود أفق سياسي، والاحتلال لا يريد ذلك، كما أن كل الأطياف السياسية الإسرائيلية متفقة على تقويض إقامة دولة فلسطينية، بالإضافة إلى اتفاقها على دعم الاستعمار وتعزيزه.
وكان جيش الاحتلال قد أعلن يوم الأربعاء الماضي 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، انطلاق عملية عسكرية على محافظة طوباس أطلق عليها اسم "الحجارة الخمسة"، وخلالها حاصر محافظة طوباس بما فيها المدينة، وبلدة عقابا شمالا، وبلدة طمون ومخيم الفارعة جنوبا، وقرية تياسير شرقا، وأغلقها بالسواتر الترابية وفرض عليها حظر التجول، بالتزامن مع مداهمات واسعة لمنازل المواطنين.
ووثق نادي الأسير الفلسطيني خلال ذلك احتجاز حوالي 200 مواطن من محافظة طوباس وإخضاعهم للتحقيق الميداني، فيما وثق الهلال الأحمر إصابة أكثر من 200 مواطن جراء اعتداء جنود الاحتلال عليهم بالضرب والتنكيل بهم خلال المداهمات.
وانسحبت قوات الاحتلال من المحافظة، مساء السبت، بعد عدوان وحصار استمرّا أربعة أيام متواصلة، لتعيد استئناف اقتحام مدينة طوباس وبلدة عقابا ومحاصرتهما منذ فجر أمس الاثنين.
وتأتي هذه العملية في وقت يواصل فيه الاحتلال عدوانه المتواصل على شمال الضفة، الذي أدى إلى إجبار الآلاف على النزوح قسرا.
وتشير المعطيات لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بهذا الخصوص إلى أن 32 ألف شخص ما زالوا نازحين عن مخيمات شمال الضفة، وهم سكان مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ بداية العام الجاري.
ــــ
ع.ف


