غزة 11-12-2025 وفا- سامي أبو سالم
استفاق مازن أبو درابي في منتصف الليل من نومه في خيمته المهترئة التي يتخذ منها مأوى في مخيم المغازي، بعد أن تسلل سيل من المياه، وسط قطاع غزة.
هرع أبو درابي ليفيق أطفاله السبعة وزوجته، ورفعوا ما استطاعوا من أمتعة قبل أن يبللها السيل لكن الأمطار تسللت أيضا من أعلى الخيمة المهترئة.
وقال لمراسل "وفا" إن الأمطار تسللت للخيمة من الأعلى والسيل من الأسفل وبللت الكثير من ملابس الأطفال والمتاع والطعام.
وقضت عشرات آلاف العائلات في مخيمات النزوح، المتناثرة في قطاع غزة، ليلتها في العراء تحت المطر بسبب السيول والأمطار الغزيرة التي تضرب المنطقة.
وخلال العدوان المستمر على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023 نزح حوالي 2 مليون مواطن في قطاع غزة ليقطنوا في خيام أو أماكن مستأجرة سواء بيوت أو مزارع دجاج أو دفيئات زراعية.
وتقول مصادر محلية إن زهاء 300 ألف عائلة تقطن في خيام.
وأشار أبو درابي لمراسل "وفا" إلى أنه كان يعلم مسبقا بوجود منخفض جوي قادم لكن لا خيار لديه سوى البقاء في الخيمة وهي ملاذه الأخير.
يدور أبو درابي حول خيمته حافيا ليسد أي مدخل للمياه. أطفال حفاة الأقدام يمشون في الوحل لجأوا إلى عريشة تغطي تنورا طينيا مجاورا، وزوجته انهمكت في لملمة ملابس الأطفال، فيما عملت ابنته ملاك (17 عاما) على لملمة بعض الكتب المدرسية.
"جرفت الأمطار جزءا من الطعام وبللت الفرشات والأغطية وملابس الأطفال. لا أعرف كيف سنمضي فصل الشتاء"، قال أبو درابي وهو يجرف بعض الرمال بفأس ليغير مجرى سيل جديد باتجاه الخيمة.
وقال أبو درابي، الذي كان يعمل مزارعا، إن الاحتلال دمر منطقتهم بشكل كام من بيوت ومزارع في بيت لاهيا.
وقال تقرير للأمم المتحدة صدر في تشرين أول/أكتوبر الماضي إن 83% من بيوت قطاع غزة مدمرة.
وينصب أبو درابي خيمته بجانب مكب نفايات منذ أكتوبر الماضي وهو آخر نزوح له حتى الآن، كما قال.
ويعاني النازحون من اهتراء الخيام بعد مرور عامين من استخدامها أو قلة عددها بسبب قيود الاحتلال على دخولها، وفقا لمصادر في شبكة المنظمات الأهلية.
وتعج محافظة وسط قطاع غزة (مدينة دير البلح ومخيمات النصيرات والبريج والنصيرات والمغازي وقريتي المصدر والزوايدة)، بآلاف الأسر النازحة التي تقطن خياما مهترئة.
كما يتمركز سكان مدينة رفح، المدمرة بشكل كامل، وسكان مدينة خان يونس، المدمر غالبيتها، في منطقة المواصي الزراعية التي جرفت السيول أجزاء منها.
وجرفت السيول مخيمين للنزوح في منطقة "البصة" و"البركة" في مدينة دير البلح ومخيم آخر في مخيم النصيرات وتجمعات لخيام النازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس جنوب القطاع، كما قال شهود عيان لمراسل "وفا" في أحاديث متفرقة.
في منطقة البصة نهض حسين يوسف (23 عاما) وأسرته المكونة من خمسة أفراد يبحث عن فأس لدي جيرانه في مخيم النزوح ليحمي به خيمتهم. لكنه فشل لأن الجيران أيضا منشغلون في حماية خيامهم.
"كان لنا بيت كبير. اعتقلني الاحتلال على أحد الحواجز وخرجت بعد عامين من السجن لأجد أبي مستشهدا وبيتنا مدمرا وعائلتنا في خيمة"، قال يوسف النازح من محيم جباليا لدير البلح.
وأضاف يوسف أن عائلته تغرق في كل منخفض جوي لكن لا حل ولا خيار في ظل تدمير البيوت ومنع آلاف العائلات من العودة لبيوتها.
وتمنع قوات الاحتلال عشرات آلاف العائلات من العودة إلى بيوتها وراء ما يعرف بـ"الخط الأصفر" بل وتواصل تدميرها رغم اتفاق وقف اطلاق النار.
وفي الحادي عشر من أكتوبر الماضي دخل وقف اطلاق نار في قطاع غزة حيز التنفيذ وتم بموجبه فرض "خط أصفر" شمال وشرق وجنوب القطاع يمنع تخطيه.
وقال شهود عيان إن قوات الاحتلال تستغل الخط ولا تزال تدمر ما تبقى من آلاف المنازل خلف الخط.
لا يشكل المنخفض الجوي خطرا على النازحين في الخيام فقط، بل أيضا على عشرات آلاف الأسر التي تقطن في بيوت متضررة وآيلة للانهيار بسبب القصف الإسرائيلي خلال العدوان.
ففي حي النصر غرب مدينة غزة بدأ بيت، يعود لعائلة البغدادي، في التصدع بفعل تبلل الأرض وغمارة السيول ففر منه قاطنوه قبل أن ينهار، وفقا لمصادر في الدفاع المدني.
وبرغم التوصل لوقف إطلاق نار يعيش سكان القطاع (2,3 مليون نسمة) أوضاعا إنسانية قاسية سواء على صعيد الأمن أو السكن أو الغذاء.
وتقول الأمم المتحدة في تقرير لها الشهر الماضي إن أكثر من مليوني فلسطيني "مكتظون الآن في أقل من نصف مساحة القطاع، بينما يفتقر معظم النازحين إلى مواد الإيواء الكافية لحمايتهم من الأمطار والرياح".
/ي.ط


