سلفيت 10-6-2025 وفا- عُلا موقدي
كانت الساعة تقترب من السابعة صباحا، حين بدأت مركبات المواطنين التجمع عند مدخل قرية ياسوف شرق سلفيت، وهو المنفذ شبه الوحيد خلال الأسابيع الأخيرة المؤدي إلى مدينة سلفيت.
يغلق جيش الاحتلال هذا المدخل بشكل مستمر ولا يتم فتحه إلا ساعتين صباحا وساعتين في المساء، حتى تحوّل صباح اليوم إلى رهينة بيد مستعمر واحد وصل من أحد البؤر القريبة إلى مدخل قرية ياسوف.
سار بخطى متعجرفة، ووضع كرسيا أمام البوابة، وبدأ بإغلاق الطريق بالحجارة. لتتعطل حياة مئات المواطنين من موظفين وعمال وطلاب.
بينما وقف جنود الاحتلال على بعد أمتار قليلة، يراقبون المشهد بصمت دون تدخل، وكأنهم يمنحونه غطاءً لفرض واقع جديد، واقع تتحكم فيه قرارات المستعمرين وسلوكهم المتطرف في مصير بلداتٍ بأكملها.
هذا المشهد ليس استثناءً، بل حلقة في سلسلة طويلة من الممارسات اليومية التي يعيشها أهالي محافظة سلفيت، المحاصرون بعشرات البوابات العسكرية، والتي حوّلت المحافظة إلى كانتونات معزولة، وفرضت على سكانها "نظام مرور" قسري، لا يعطي أي مواطن حقه بالتنقل.
من مدخل كفر الديك المغلق منذ أكثر من عام ونصف، إلى بوابات بروقين وديراستيا وكفل حارس وحارس ومردا وجماعين وقراوة بني حسان، وما بينها من طرق فرعية وزراعية تغلق وتفتح بقرارات عسكرية أو بمزاج مستعمر، بينما يتنقل أهالي سلفيت تحت هذا الحصار، وتصبح أبسط تفاصيل حياتهم من الذهاب إلى المدرسة أو المستشفى، وحتى العمل خاضعة لتحكم قوات الاحتلال ومستعمريه.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك استمرار إغلاق المدخل الشمالي لمدينة سلفيت منذ أكثر من شهر، ما دفع المواطنين لاستخدام طرق التفافية ترابية مرهقة، لا تصلح للتنقل، ولا تمر فيها المركبات بسهولة.
ما يحدث من إجراءات عنصرية، يعد انتهاكا صارخا للمواثيق والمعاهدات الدولية حيث جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 13 في البند الأول "لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة".
وبحسب المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) المادة 12 وفي البند الأول "لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته"، واتفاقية جنيف الرابعة لحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب (1949) نصت المادة 27: على "حماية الأفراد تحت الاحتلال العسكري" و "يجب على الدول الأطراف احترام حقوق المدنيين في حرية الحركة أثناء النزاعات المسلحة".
مدير مكتب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في الشمال مراد شتيوي قال لـ"وفا"، إن مقابل كل بوابة عسكرية تعيق حياة الفلسطينيين، تفتح أمام المستعمرين طرق آمنة وسريعة وخدمات نقل حديثة. البوابات ليست عسكرية، بل جزء من مشروع استيطاني لفصل السكان عن أراضيهم، وتحويلها لمساحات توسعة استيطانية وما يجري في سلفيت ليس عشوائيا، بل هو سياسة إحلاليه كاملة.
من جهته، يقول الموظف سامر عودة: "اخرج من بيتي يوميا للعمل في سلفيت، والطريق الطبيعي من المدخل الشمالي لمدينة سلفيت تستغرق 12 دقيقة، لكنها الآن أصبحت تستغرق 45 دقيقة وأكثر بسبب إغلاق البوابة".
"هذه ليست فقط خسارة وقت، بل تكلفة وقود، وأعطال مركبات، وإرهاق وتعب نفسي وجسدي"، يتابع المواطن عودة.
القيود على الحركة لا تؤثر فقط على المزارعين والطلاب والموظفين، بل على النسيج الاجتماعي والاقتصادي بكامله وهو ما كان ملاحظا خلال فترة عيد الأضحى المبارك حيث حرم الكثير من الأهالي من زيارة أقاربهم بسبب الإغلاقات المستمرة.
ووفقًا لتقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير 2025 وصل عدد الحواجز والبوابات الحديدية، التي نصبها جيش الاحتلال في الضفة الغربية إلى 898 حاجزا عسكريا وبوابة حديدية، منها 18 بوابة حديدية نصبها الاحتلال منذ بداية عام 2025، منها (146) بوابة حديدية نصبها الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ـــــــ
/ م.ل