نابلس 11-6-2025 وفا– زهران معالي
على امتداد قرابة 30 ساعة متواصلة، عاشت البلدة القديمة في مدينة نابلس واحدة من أعنف عمليات الاقتحام الإسرائيلية وأطولها منذ سنوات، بدأت عند الساعة 12:30 من منتصف ليلة الثلاثاء، حين اجتاحت قوات كبيرة من جيش الاحتلال أزقة المدينة التاريخية، وسط إطلاق نار كثيف وقنابل الغاز المسيل للدموع.
وبدت مشاهد الدمار وتخريب الممتلكات داخل البلدة القديمة تتكشف مع ساعات الصباح، بعد انسحاب جيش الاحتلال، حيث يظهر جليا أن العملية العسكرية لم تحمل غاية ملاحقة مطاردين فقط، بل بدت ساعات الاقتحام الطويلة وكأنها تنفيذ لخطة تدمير شاملة، استهدفت مقومات الحياة في قلب نابلس القديمة.
وذلك عبر اقتحام المنازل عنوة، وطرد العائلات بالقوة من منازلها، إلى نهب المحلات التجارية وتدميرها، وتحويل مبانٍ تاريخية إلى ثكنات عسكرية كما جرى مع خان الوكالة، حتى صور الشهداء لم تسلم من حقد الجنود.
في قلب الاعتداء، كان خان الوكالة، المعلم التاريخي الذي يعود إلى أكثر من 400 عام، شاهدًا على الاقتحام، وفق ما تؤكد مديرة فندق ومطعم خان الوكالة سيرين التيتي.
وتشير إلى أنه "منذ ظهر أمس الثلاثاء، حوّل الاحتلال الخان إلى ثكنة عسكرية حتى ساعات فجر اليوم اليوم، وفجّر غرفة التحكم بالكامل، ودمّر غرفة الاستقبال و22 مدخلًا للغرف الفندقية، وسرق الأموال من خزنة الفندق، ولم يكن يوجد أحد داخل المكان أثناء الاقتحام".
وتضيف: "كل شيء دمروه: الأثاث، والوثائق، والأوراق الرسمية، حتى كاميرات المراقبة وغرفة التحكم، والغرف التي كانت مخصصة للنزلاء باتت مأوى للجنود".
وتشير إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الخان لهذا النوع من الاعتداء منذ تأسيسه، رغم أنه رُمم مؤخرًا بدعم من الاتحاد الأوروبي، ويتبع لبلدية نابلس، وتديره شركة سليم أفندي.
وفي السوق القديم، لم يكن حال المحلات التجارية أفضل، فقد تعرضت عشرات المحلات للتخريب والنهب وخلع الأبواب خاصة في منطقة دخلة جروان المؤدية إلى البلدة القديمة، والتي تعرض فيها الشقيقان نضال ووليد مهدي عميرة للإعدام بدم بارد على يد جنود الاحتلال.
ضرغام سالم، صاحب محل ألبسة في دخلة جروان، تحدث لـ"وفا" أنه "عندما وصل صباحًا بعد انسحاب الاحتلال، تفاجأ بحجم التدمير، فالواجهة الزجاجية للمحل محطمة بالكامل، وهناك آثار رصاص، فيما البضائع مبعثرة، وكذلك لم تسلم المحلات المجاورة، فمعظمها إما خُلعت أبوابها أو تعرضت للنهب".
وفي المنطقة نفسها، يقول محمد حلاوة، صاحب محل "ديناميت جينز": "الجنود اقتحموا المحل بعد صلاة الفجر، وخرّبوا كل شيء، وسرقوا ملابس، ودمّروا 20 كاميرا مراقبة، واستولوا على أجهزة التسجيل، وتركوا وجبات طعامهم على الأرض، وحوّلوا المحل إلى غرفة تحقيق ميداني للشبان".
وأضاف: "مزّقوا صور الشهداء المعلقة داخل المحل، من بينهم صورة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، في محاولة لمسح كل ما يمثل الذاكرة الفلسطينية".
وقرب الزقاق المؤدي إلى دخلة جروان حيث تعرض الشقيقان عميرة للإعدام، كانت المنازل هدفا مباشرا لجنود الاحتلال وبينها منزل المواطن إيهاب كلبونة، الذي روى تفاصيل الاقتحام الذي تعرض له منزله في ساعات الفجر قائلا: "اقتحموا البيت الساعة 2 فجرًا، وأخرجوا العائلة إلى الزقاق وصلّبوهم على الحائط، ثم أعادوهم إلى المنزل قبل أن يُخرجوهم ويبقوني وحدي معهم، تعرّضت للضرب المبرح والشتائم، وعُصبت عيناي".
ويضيف كلبونة أنه مع تعالي أصوات الرصاص خارج المنزل، أدخل مجموعة من الجنود جنديين مصابين إلى المنزل، متابعا: "نقلوني بعدها إلى محل تجاري قريب كان يُستخدم موقع تحقيق ميداني، كنت محاطًا بأكثر من 20 جنديًا، وجالسًا على كرسي".
وأسفر الاقتحام الذي تركز في البلدة القديمة عن استشهاد الشقيقين نضال وخالد مهدي أحمد عميرة (40 و35 عاما)، وإصابة سبعة آخرين بالرصاص الحي والشظايا، فيما أصيب 11 مواطنا جراء الاعتداء عليهم بالضرب، واثنان إثر سقوطهما عن مرتفع، إضافة إلى حالة دعس، وامرأة جراء مهاجمتها من كلب بوليسي، والعشرات بالاختناق بالغاز المسيل للدموع بينهم طفلة (عام ونصف عام) جرى نقلها إلى المستشفى.
ـــــ
ز.ع/س.ك