غزة 10-8-2025 وفا- حسين نظير السنوار/ حاتم أبو دقة
قرابة الـ23 شهرا، ودروب المعاناة والموت والتجويع والتهجير بحق أبناء شعبنا في قطاع غزة متواصلة، تلك البقعة الجغرافية الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترا مربعا، تعدى عدد الشهداء فيها 60 ألفا، والمفقودين نحو 11 ألفا، في أكبر كارثة بشرية تسجل في التاريخ الحديث.
النقص والانقطاع الحاد في مواد التنظيف الشخصية، والنظافة المنزلية، وحفاظات الأطفال والمسنين، بعد أن منع الاحتلال دخولها إلى القطاع منذ ما يزيد على خمسة أشهر متتالية، انعكس سلبا على الوضع الصحي والبيئي، والنظافة الشخصية، مع ازدياد درجة حرارة آب، وانقطاع المياه وسبل النظافة.
بحثا عن قطعة صابون
فلم تعد في الأسواق مواد تنظيف، ولا حتى مستلزمات نظافة شخصية من صابون وشامبو، وفي حال توفرت فإن أسعارها تفوق الخيال، ولا يقوى على شرائها أغلبية المواطنين الذين يعانون ظروفًا غاية في القسوة والمرارة مع انقطاع مواد التنظيف وأدواته، وتزامنه مع مجاعة أنهكت أجسادهم وطالتهم جميعا.
عبد السلام خليفة جاب سوق منطقة المواصي في منطقتي النص والعطار إلى الغرب من محافظة خان يونس بحثًا عن قطعة صابون، أو حتى علبة شامبو، دون جدوى، فعاد أدراجه هائما على وجهه.
وأضاف خليفة: أنه في حال الحصول على تلك المواد تكون سيئة للغاية، ومرتفعة الثمن، ولا تلبي أدنى متطلبات النظافة الشخصية، ما يؤثر في صحة المواطنين، حيث انتشرت الحبوب والبثور والحساسية وأمراض جلدية أخرى في أجسادهم.
سلمان العقاد أُجبر على قص شعر بناته الثلاث، تجنبا لإصابتهن بداء حشرات الرأس، مشيرا إلى أن الشامبو المحلي المتوفر في الأسواق قد يكون ضارا، في ظل انعدام الرقابة الصحية والتموينية على الجهات التي تنتج تلك المواد.
بحثا عن قطعة صابون، صُدم رائد أبو ناموس بأسعارها في الأسواق، حيث وصلت بعض الأنواع إلى سعر 65 شيقلًا لقطعة 100 غرام، بينما وصل سعر علبة الشامبو 700 مليمتر إلى أكثر من 160 شيقلا، وسعر الصابون المحلي من 40-50 غراما إلى أكثر من 10 شواقل، وهذه الأسعار لا يقوى المواطنون على دفعها، مقابل الحصول على تلك المنتجات، في ظل تدني الدخل اليومي للمواطنين، وارتفاع أسعار السيولة مقابل الكاش، إذ وصلت إلى أكثر من 55%.
ويشير إلى أن ندرة مواد التنظيف المستوردة أجبرت المواطنين على التوجه لاستخدام مواد مصنعة محليا، تفتقر إلى أدنى مستويات الجودة، من حيث: التركيب، والرائحة، والرغوة، مشيرًا إلى أنها هي الأخرى مرتفعة الثمن، ولا تلبي أدنى متطلبات الحصول على نظافة صحية كاملة.
ويتابع أبو ناموس أن الأسواق كذلك تفتقر بشدة إلى مساحيق الغسيل، وكذلك الكلور، ومعطرات الجو، والتواليت، منذ بداية الحرب، خاصة أن النازحين منذ قرابة العامين يستخدمون حمامات تفتقر إلى أدنى مستويات النظافة، وهي بدائية جدا، ولا تصل إلى أدنى مستوى من النظافة، بسبب طرق البناء البدائية، وعدم توفر مواد التنظيف والمياه بشكل طبيعي لتنظيفها.
مفقود في الأسواق
فيما تقول المواطنة أم خليل صقر، إن سائل تنظيف الصحون وأواني الطهو مفقود في الأسواق، والمتوفر منه مصنع محليا، ولا يلبي أدنى مستويات النظافة، والصعوبة التي تواجههم هي تنظيف الأواني من الشوائب، مع تزايد اتساخها بسبب استخدام الحطب في إشعال النيران، فتلتصق الأوساخ على الأواني ويصعب تنظيفها.
جميع الإفادات تتفق على شح مواد التنظيف الأصلية والمستوردة، في ظل إغلاق المعابر وحرمان المواطنين من أدنى سبل الحصول على نظافة شخصية وبيتية كاملة، وهو ما صرح به صاحب بسطة لبيع مواد التنظيف عاهد عبد العال.
ويكشف: بعض المصنعين والباعة يسكبون كميات كبيرة من المياه ويخلطونها مع مواد التنظيف، لزيادة حجمها وخفض سعرها على حساب الجودة.
في الآونة الأخيرة انتشرت بسطات صغيرة في الأسواق والشوارع العامة، لبيع أصناف من مواد التنظيف الشخصية والمنزلية، من أجل التغلب نسبيا على الأزمة الحادة وشحّ مواد التنظيف في الأسواق، نتيجة الحصار المشدد الذي تفرضه سلطات الاحتلال على القطاع، وقد زادت حدته مع احتلال معبر رفح مع مصر، والقيود على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، منذ بداية آذار/مارس الماضي وحتى اليوم.
قطاع غزة يفتقر بشدة إلى المواد الأساسية الخاصة بالتنظيف، كالمكانس والقشاطات والجرادل (أدوات النظافة المنزلية)، وباقي مواد التنظيف، والإغلاق الإسرائيلي للمعابر، وعدم السماح بدخول البضائع تسببا في حالة من الشح الشديد في الأسواق، في ظل تزايد حاجة المواطنين إلى تلك المواد، خاصة مع طول أمد الحرب التي دخلت شهرها الثالث واعشرين، إذ تعاني غزة أزمة بيئية كبيرة، بسبب تدمير الاحتلال للبنية التحتية وتلوث المياه وتراكم النفايات.
من جهتها، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، يتم بيع ملايين قوالب الصابون يوميًا حول العالم، ولكن في غزة العثور عليها شبه مستحيل، فهناك حاجة إلى تدفق منتظم لمستلزمات النظافة الأساسية، بما في ذلك الصابون والشامبو والفوط الصحية.
وشددت على ضرورة وصول المساعدات على نطاق واسع إلى الأشخاص الأكثر احتياجاً في غزة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الأمم المتحدة، بما في ذلك "الأونروا".
وأضاف البيان، أنه لم يُسمح للوكالة بإدخال أي مساعدات إنسانية إلى غزة، بما في ذلك الأدوية والمستلزمات الطبية لأكثر من 5 أشهر متتالية.
نفاد الحفاظات
المعاناة لا ولم تنتهِ، فنفاد حفاظات الأطفال والمسنين من أسواق قطاع غزة، في ظل استمرار الحصار وعدم وجود بصيص أمل لتخفيف معاناتهم، تزداد مع كل يوم يمر في ظل حرب الإبادة الجماعية، وسياسة التهجير والتجويع المتعمدة.
المهندس عاطف أبو دقة يعتريه الحزن عندما ينظر إلى والده ذي الإعاقة الحركية الذي يبلغ من العمر (89 عاما)، ويعاني نقصا حادا في عناصر التغذية، أدى إلى عدم قدرته على النطق، الأمر الذي ضاعف معاناته، في ظل غياب الحفاظات من الأسواق.
وشدد أبو دقة على أن ما يؤلمه هو ووالده عدم مقدرتهما على توفير الكثير من الاحتياجات الضرورية، بسبب نفاد معظمها من الأسواق.
ومع بدء دخول بعض الأصناف إلى القطاع، رغم سرقة البلطجية لها، يراودهما الأمل أن تتوفر المواد الغذائية والمجمدات المفقودة في الأسواق.
أما النازح رائد أبو العلا فينظر بألم إلى مولوده الجديد الذي يعاني سوء التغذية، نظرا لعدم توفر حليب الأطفال اللازم، إذ يتجاوز سعر العلبة 200 شيقل، أي ما يعادل 60 دولارا، وعدم قدرته على توفير حفاظات، فسعر الحبة الواحدة يتعدى 10 شواقل، ما يعادل 3 دولارات، ويحتاج من أربع إلى خمس في اليوم، وهو لا يملك ثمنها.
بدوره، عبر النازح نضال أبو فرحانة عن حزنه الشديد لعدم قدرته على شراء حفاظات لابنه البكر محمد (20 عاما) المصاب بمرض التوحد، ولا يقوى على الحركة، بسبب سوء التغذية.
وأضاف أبو فرحانة أنه يضطر إلى العودة إلى الطرق التقليدية، باستخدام شرائط من القماش بديلا عن الحفاظات التي اختفت من الأسواق، وإن وُجدت فإنه لا يستطيع شراءها، بسبب ارتفاع سعرها، إذ بلغ سعر الحبة الواحدة 30 شيقلا، أي ما يعادل 10 دولارات.
هذا، وقد حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، من نقص حاد في الحفاظات ومستحضرات التنظيف الخاصة بالأطفال في غزة، مؤكدة أن توفير هذه المستلزمات يعد أمرا "بالغ الأهمية" للحفاظ على صحتهم.
وأوضحت الوكالة، في منشور عبر منصة "إكس": "يتم بيع نحو 300 مليون حفاظة يوميا حول العالم، بينما في غزة هناك نقص شديد في توفير الحفاظات".
وقالت: "يعد توفير الإمدادات الأساسية بما في ذلك الحفاظات والصابون والمناديل المبللة أمرا بالغ الأهمية لبقاء الأطفال والحفاظ على صحتهم".
وتابعت: "لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الأمم المتحدة، بما فيها الأونروا".
ويأتي ذلك في ظل انعدام فرص العمل في القطاع، جراء الحصار والإغلاق المستمر للمعابر، وتدمير البنية التحتية الاقتصادية بفعل الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ما دفع أغلبية الأسر إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية كمصدر رئيسي لتأمين احتياجاتها.
ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تغلق إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى غزة، مانعة دخول أي مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في حالة مجاعة، رغم تكدس شاحنات الإغاثة على حدوده، والسماح بدخول كميات محدودة لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات المواطنين.
ــــ
/س.ك