أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 29/09/2025 05:37 م

فلسطين: مشاريع طاقة شمسية وليدة الحاجة الوطنية تتجاوز تحديات الاحتلال

 

طوباس 29-9-2025 وفا- إسراء غوراني

منذ ستة أعوام دُشِّنت محطة نور طوباس للطاقة الشمسية على مساحة تقدر بـ120 دونمًا وقدرة إنتاجية بدأت بـ5 ميغا واط، حتى وصلت إلى 12 ميغا واط خلال بضع سنوات، لتصبح واحدة من أكبر مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في فلسطين.

وتكتسب المحطة أهمية خاصة لكونها تخدم القطاع الزراعي في محافظة طوباس، المعروفة بأنها سلة الغذاء الفلسطينية، عبر توفير مصدر طاقة بديل لخدمة الزراعة التي يواجه إنتاجها تحديات جسيمة بفعل استهداف الاحتلال.

مشاريع وليدة الحاجة

يشير المستثمر في المحطة أحمد أبو خيزران في حديثه لـ"وفا" إلى أن محافظة طوباس احتضنت سابقًا مشاريع لتوليد الطاقة الكهربائية من الشمس، وسجلت هذه المشاريع مساهمات جيدة لحل مشاكل نقص الكهرباء التي كانت تعاني منها المحافظة، مضيفًا أن فكرة الاستثمار في محطة طاقة شمسية لخدمة الأغراض الزراعية في المنطقة جاءت من واقع الحاجة وبسبب التحديات الكبيرة التي تواجه هذا القطاع الحيوي، وتراجع الأرباح فيه تبعًا لتلك الظروف بالتزامن مع ارتفاع التكاليف التشغيلية والإنتاجية.

وينوه أبو خيزران القائم على تنفيذ مشاريع زراعية عديدة في المحافظة إلى أن القائمين على محطة نور طوباس يزرعون آلاف الدونمات في مناطق عديدة من المحافظة، تعتاش من العمل فيها مئات العائلات، كما أن هذه الزراعات تترتب عليها تكاليف وفواتير كهرباء سنوية تصل إلى 7 ملايين شيقل، ومن هنا كان لا بد من التفكير في توفير مصدر يخفف تكاليف استهلاك الكهرباء، خاصة في ظل الظروف الزراعية الصعبة الناجمة عن قيود الاحتلال وانتهاكاته.

وفقًا لحسابات أبو خيزران، فإن نسبة الربح من القطاع الزراعي تتراوح بين 10-15% في أفضل الحالات تبعًا للظروف الصعبة، وبالتالي فإن تخفيف أعباء فواتير الكهرباء التشغيلية تحافظ على هامش مقبول من الربح وتعطيهم نفسًا أطول للاستمرار كمستثمرين ومزارعين في هذا القطاع.

وينظر أبو خيزران لهذا المشروع بأنه يحمل في طياته تبعات إيجابية كبيرة على القطاع الزراعي، وعدا عن ذلك فهو يحمل أهمية ذات أبعاد وطنية من خلال تخفيض الاعتماد الكلي على شراء الكهرباء من الاحتلال، وتوفير جزء من التكاليف الباهظة التي تدفع سنويًا لهذا الغرض.

مشاريع رائدة

وقبل هذا المشروع وغيره من مشاريع الطاقة الشمسية التي أقيمت مؤخرًا في طوباس ومحيطها، كانت طوباس من أوائل المحافظات التي تنبهت إلى مستقبل الطاقة الشمسية في فلسطين وأهمية الاستثمار فيه، لتغدوَ اليوم من المحافظات الرائدة والواعدة في هذا المجال، فمحطة المسلماني للطاقة الشمسية التي أبصرت النور أواخر عام 2017 في منطقة الفارعة جنوب طوباس تعد من أوائل المحطات الاستثمارية في مجال الطاقة الشمسية في الضفة الغربية.

نجاح هذا المشروع الذي أقيم على مساحة 35 دونمًا وبقدرة 3 ميغا واط كان بمثابة بداية تشجيعية لمستثمرين آخرين سواء في طوباس أو غيرها من المناطق للإقبال على تنفيذ مثل هذه المشاريع، وفتح الطريق لقطاع كامل مزدهر في المنطقة.

مدير المحطة يسري المسلماني يشير في حديثه لـ"وفا" إلى أن التفكير في إنشاء محطة للطاقة الشمسية كان بهدف إيجاد حلول لواحدة من أكبر المشاكل التي كانت تواجه محافظة طوباس والمتمثلة بنقص الكهرباء والاحتياج المتزايد إليها.

ويؤكد أن نجاح هذا المشروع اعتمد على عدة عوامل منها: الظرف المناخي المواتي وطول مدة الإشعاع الشمسي، إضافة إلى إستراتيجيات شركة كهرباء طوباس ومخططاتها الرامية لتشجيع التوجه إلى هذا النوع من الطاقة، مع وجود مستثمرين يؤمنون بأهمية هذا القطاع ويستعدون للاستثمار فيه.

واعتبر المسلماني أن مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية تعود بفوائد عديدة على عدة مستويات، منها عودتها بالربح على المستثمر وصاحب رأس المال، إضافة إلى مساهمتها في حل مشاكل كبيرة متعلقة بتوفير الطاقة الكهربائية، وتحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي فيها، فضلًا عن منافعها على المستوى البيئي باعتبارها مشاريع صديقة للبيئة.

شواهد عديدة على الأرض ومشاريع إنتاجية واعدة تظهر تباعًا في الضفة الغربية تدلل على أن هذا القطاع سيكون خلال السنوات القليلة المقبلة القطاع الأهم الذي يشكل طوق النجاة لتوفير الطاقة الكهربائية والانفكاك إلى حد كبير عن الاحتلال في هذا المجال، فبالتعاون مع المستثمرين وسلطة الطاقة يحقق صندوق الاستثمار الفلسطيني قفزات كبيرة في مجال توليد الطاقة الشمسية.

تعقيبًا على ذلك، يؤكد مدير محفظة الطاقة الشمسية في شركة مصادر التابعة لصندوق الاستثمار الفلسطيني محمد عورتاني، أن الصندوق يولي قطاع الطاقة المتجددة أهمية إستراتيجية، كونه أحد القطاعات الواعدة في فلسطين، ويهدف من خلال الاستثمار فيه إلى تعزيز أمن الطاقة الوطني، وتقليص فاتورة الكهرباء المستوردة، وتنويع مصادر التزويد.

وانطلاقًا من هذه الرؤية، يقول عورتاني إن الصندوق أسس شركة "مصادر" لتتولى إدارة استثماراته في قطاع الطاقة التقليدية والمتجددة، من خلال تنفيذ مشاريع حيوية، وفي مقدمتها مشاريع الطاقة الشمسية، مضيفًا أن الصندوق أطلق عام 2016 عبر شركة مصادر برنامج "نور فلسطين" الذي يركّز على إنتاج الكهرباء النظيفة من الطاقة الشمسية، من خلال بناء محطات مشتركة تخدم شرائح واسعة من المستهلكين، إلى جانب تطوير الكفاءات المحلية في مجالات التصميم والبناء والتشغيل والصيانة، بما يعزز القدرات الفلسطينية الذاتية في هذا القطاع.

ومن خلال برنامج "نور فلسطين" نفذ الصندوق مجموعة من المشاريع الحيوية في قطاع الطاقة الشمسية ومنها محطة "نور أريحا" في محافظة أريحا والأغوار بقدرة إنتاجية بلغت 7.5 ميغا واط، ومحطة "نور جنين" في محافظة جنين بقدرة 5 ميغا واط، ومحطة "نور رمون" في محافظة رام الله والبيرة بقدرة 4.2 ميغا واط، ومحطة "نور الشمال" في محافظة طولكرم بقدرة 5.3 ميغا واط، إضافة إلى برنامج الطاقة الشمسية على أسطح المدارس بأنظمة طاقة متجددة على أسطح 331 مدرسة منتشرة في محافظات الوطن كافة وبقدرة تصل إلى 19 ميغا واط.

ويرى عورتاني أن قطاع الطاقة الشمسية في فلسطين يحمل أهمية خاصة، إذ يشكّل البديل الأبرز عن الاعتماد شبه الكامل على الكهرباء المستوردة، في ظل غياب الموارد التقليدية كالنفط والغاز، فيما تتميز فلسطين بوفرة الإشعاع الشمسي على مدار العام، ما يجعل استغلال هذه الطاقة خيارًا عمليًا وفعالًا.

ويُنظر إلى مستقبل الطاقة الشمسية في فلسطين بتفاؤل كبير، وفقًا لعورتاني، نظرًا للظروف التي تجعلها خيارًا شبه حتمي لتعزيز أمن الطاقة وتقليل التبعية للاحتلال، فمع ارتفاع تكاليف استيراد الكهرباء وتكرار الأزمات والانقطاعات، تتزايد جاذبية الاستثمار في هذا القطاع على المستويين الفردي والمؤسسي.

حاجة مُلحة

وعن بدايات مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في فلسطين ومستقبلها، يشير مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث الطاقة والبيئة في سلطة الطاقة باسل ياسين، إلى أن التوجه لاستغلال الطاقة الشمسية في فلسطين لإنتاج الكهرباء بدأ عام 2010، بهدف إيجاد حلول بديلة للتجمعات السكانية النائية ومنها مناطق الأغوار والمناطق البدوية التي لا تصلها شبكات الكهرباء، فهذه التجمعات عانت على مدار سنوات طويلة من عدم توفر الطاقة الكهربائية بسبب قيود الاحتلال عليها وتهميشها واستهدافها.

سابقًا كانت بعض هذه التجمعات تستخدم مولدات لإنتاج الكهرباء، وهذه الحلول لها عيوب عديدة، منها: الضجيج الناتج عنها، واستهلاكها الكبير للوقود، وانعكاسات ذلك على البيئة.

بعد ذلك تم التوجه لسن قوانين وتشريعات متعلقة باستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، ونقل الفكرة من حلول مؤقتة لتجمعات محددة إلى تفكير إستراتيجي يساهم في توفير جزء من الاحتياج المحلي الفلسطيني من الكهرباء، وفقًا لياسين، بما يسمح بتخفيف الاعتماد على الاحتلال في هذا المجال، فتم التوجه لأنظمة الطاقة الشمسية على أسطح منازل المواطنين، ووضعت في البداية عروض وأسعار تشجيعية لأنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، بالتزامن مع حملات توعوية لتشجيع المواطنين على الإقبال على ذلك، وكانت التجارب الأولى ناجحة.

بعد ذلك بسنوات معدودة بدأت مشاريع الطاقة الشمسية تجذب المستثمرين، من خلال إقامة محطات استثمارية وربطها بشبكات الكهرباء، بعد الحصول على التراخيص من سلطة الطاقة وإبرام عقود البيع والشراء مع شركات الكهرباء.

وعن أهمية قطاع الطاقة الشمسية في فلسطين بشكل خاص، يؤكد ياسين أنه يساهم في حل مشكلة كبيرة في مجال الحصول على الطاقة الكهربائية، وتغطية جزء من الاحتياج الفلسطيني للكهرباء، خاصة أنه يتم استيراد الطاقة الكهربائية من الاحتلال بتكاليف باهظة، علمًا أن سعر تعرفة الكهرباء في فلسطين هو من الأعلى إقليميًا بسبب التعرفة الباهظة التي يفرضها الاحتلال.

وعدا عن مساهمتها في توفير جزء من الاحتياج المحلي للطاقة الكهربائية بمعزل عن الاحتلال، تشكل أنظمة الطاقة الشمسية مصدر طاقة نظيفًا وصديقًا للبيئة، ويضاف إلى ذلك أن الطاقة الشمسية غدت قطاعًا استثماريًا حديثًا في فلسطين يجذب المستثمرين ويشكل مصدر دخل جديدًا.

ظروف طبيعية ملائمة

وعن خصوصية الطاقة الشمسية كطاقة نظيفة ومتجددة في فلسطين، يوضح مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث الطاقة والبيئة في سلطة الطاقة باسل ياسين أن فلسطين تحظى بإشعاع شمسي وفير بما يقارب 3 آلاف ساعة إشعاع شمسي في العام، بما يعادل 240 يومًا مشمسًا.

وعن صور استغلال الطاقة الشمسية المعمول بها حاليًا، أوضح ياسين أن هناك صورًا متعددة لذلك بدأت بأنظمة على أسطح المنازل وتتراوح قدراتها بين 5-15 كيلو واط، ثم تبعها القطاع الصناعي من خلال تركيب أنظمة طاقة شمسية على المصانع تتراوح قدراتها بين عشرة وألف كيلو واط، ويطلق على هذا النوع مصطلح صافي القياس أو الاستهلاك الذاتي، حيث يزود نظام الطاقة الشمسية المنشأة مباشرة بالكهرباء وفي الوقت ذاته يوصل النظام بشركة الكهرباء، فتستهلك المنشأة من النظام مباشرة، وفي حال وجود فائض عن حاجتها يرحل إلى شركة الكهرباء، وكذلك في حال وجود نقص عن الحاجة يتم تعويض النقص من شركة الكهرباء، مشيرا إلى أن عددًا من أنظمة صافي القياس في المنشآت الصناعية تغطي ما يصل إلى 100% من استهلاك المنشأة.

إضافة إلى ذلك توجد مشاريع ومحطات استثمار كبيرة في مجال الطاقة الشمسية وقدرة هذه المشاريع تتراوح بين 100 كيلو واط و15 ميغا واط (15 ألف كيلو واط)، ويطلق عليها مصطلح العرض المباشر، ومن خلالها ينشِئ مستثمر مشروع خلايا شمسية على قطعة أرض مخصصة بعد الحصول على موافقة شركة الكهرباء وترخيص سلطة الطاقة، ويبدأ المشروع بتصدير وبيع الناتج للشركة عبر اتفاقيات موقعة.

ووفقًا لإحصائيات سلطة الطاقة، يوضح ياسين أن سلطة الطاقة أصدرت أكثر من 60 رخصة لمشاريع محطات استثمارية في مجال الطاقة الشمسية وتم تنفيذ أغلبها على مدار السنوات الماضية، فيما لا يزال عدد منها في طور التنفيذ، كما أن هناك أكثر من 5 آلاف نظام طاقة شمسية على أسطح المنازل في الضفة الغربية، وحوالي 6 آلاف على المنشآت التجارية والصناعية، فضلًا عن ذلك غطت مشاريع الطاقة الشمسية أسطح أغلبية المدارس والجامعات والوزارات والمستشفيات والمؤسسات الحكومية، ما يعكس توجهًا كبيرًا لتحقيق أكبر قدر استفادة من الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء.

وعن مجمل قدرات أنظمة الطاقة الشمسية المشغلة في الضفة الغربية فقد بلغت حتى العام الحالي 350 ميغا واط في جميع القطاعات سابقة الذكر، وهي تغطي قرابة 7% من استهلاك الطاقة الكهربائية محليًا، فيما نوه ياسين إلى وجود خطة إستراتيجية وطنية متكاملة للطاقة المتجددة تم وضعها للأعوام 2025-2030 تهدف إلى إضافة 1430 ميغا واط جديدة بهدف الوصول إلى تغطية 30% من استهلاك الطاقة الكهربائية محليًا.

تحديات جسيمة

ورغم المستقبل الواعد لمشاريع الطاقة الشمسية فلسطينيًا، إلا أنها تواجه تحديات جسيمة في الوقت ذاته، ومن أكبر هذه العقبات محدودية الأراضي التي يمكن إقامة المشاريع عليها، بسبب ظروف الاحتلال وسيطرته على معظم مساحة أراضي الضفة الغربية (المناطق المصنفة "ج" التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة)، حيث يمنع الاحتلال استغلال هذه الأراضي والبناء أو إقامة المشاريع فيها، كما قال ياسين.

كما تطرق إلى العقبات الفنية ومنها عدم استيعاب الشبكات الموجودة حاليًا لكل كمية الطاقة التي يتم إنتاجها ما يؤدي إلى وجود فاقد، وللتغلب على ذلك يجري العمل حاليًا على تخزين الطاقة في بطاريات.

ومن الأمثلة على ذلك محافظة طوباس التي يرى ياسين أنها قطعت شوطًا مميزًا في مجال الطاقة الشمسية واستغلالها، فالطاقة التي يتم إنتاجها نهارًا أكبر من الطاقة المطلوبة للمنطقة، وبالتالي بدأ العمل حاليًا على تخزين 60% من الطاقة المولدة من الشمس، وفي الفترة المقبلة هناك توجه لتخزين كامل الطاقة المولدة نهارًا لاستخدامها ليلًا.

وبينما يجد استغلال مصادر الطاقة المتجددة أشكالًا عديدة عالميًا، إلا أن استغلال كل أشكال الطاقة النظيفة المتاحة فلسطينيًا يجد صعوبة في التحقق، فالاحتلال ما زال يحول دون تنفيذ مشاريع أخرى في هذا المجال، حيث يشير ياسين إلى أن سلطة الطاقة كانت قد أجرت تقييمًا شاملًا لمصادر الطاقة التي يمكن استغلالها فلسطينيًا، وكان من ضمنها أيضًا طاقة الرياح وتم وضع مخططات لمشاريع توربينات هوائية منذ سنوات في عدة مناطق بالضفة ومنها الخليل وطوباس، حيث تبنى الاتحاد الأوروبي هذه المشاريع، لكن الاحتلال عرقل إقامتها بحجج وذرائع واهية، ولم تبصر هذه المشاريع النور حتى الآن.

ورغم التحديات الجسام، يبقى قطاع الطاقة الشمسية في فلسطين خيارًا إستراتيجيًا وطوق نجاة لتأمين احتياجات الكهرباء وتقليل التبعية للاحتلال، بما يعزز استقلالية القرار الوطني ويضمن مستقبلًا واعدًا للطاقة.

ـــــــ

إ.غ/ م.ع

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا